فاضل العماني&

يبدو أن العالم بأسره يعيش هذه الأيام حدثاً استثنائياً ضخماً لا مثيل له على الإطلاق يتكرر كل أربعة أعوام فقط، وهو دورة الألعاب الأولمبية الحادية والثلاثون والمقامة في ريو دي جانيرو في البرازيل في الفترة من ٥ إلى ٢١ أغسطس ٢٠١٦، بمشاركة ١١٢٨٨ رياضياً يُمثلون ٢٠٧ دول من كل أنحاء العالم، يتنافسون بكل قوة وعزيمة من أجل الظفر بميدالية من مجموع الميداليات الـ ٢٤٨٨، لتُنقش أسماؤهم بألق وإلهام وفخر في سجلات الخلود البشري.&

وتُعتبر هذه التظاهرة الرياضية الكبرى، الحدث الأشهر والأبرز والأضخم في تاريخ المنافسات الرياضية، وسُميت بهذ الاسم نسبة إلى مدينة أولمبيا اليونانية التي أقيمت فيها أول منافسات رياضية في العصر القديم، وتحديداً في عام ٧٧٦ قبل الميلاد، وقد كانت مقتصرة على المسابقات والرياضات التي تعتمد على القوة والتحمل كالعدو والمصارعة وسباق الخيول وجر العربات.

&وقد أقيمت الدورة الأولمبية الأولى في أثينا عاصمة اليونان في عام ١٨٩٦ وكانت للرجال فقط، ولم تُشارك المرأة إلا في الدورة الثانية في باريس عام ١٩٠٠.

&هذا السرد التاريخي لهذا الحدث الرياضي الأهم الذي تُصنفه وسائل الإعلام العالمية بأنه الأكثر متابعة وجماهيرية وجاذبية على مستوى الأحداث العالمية المختلفة، أجده مقدمة ضرورية للكتابة عن القيمة الحقيقية للرياضة التي تحتل مكانة بارزة في المشهد العالمي.&

لقد تحولت الرياضة خلال تاريخها الطويل، من مجرد ممارسة عفوية لبعض الهوايات والمنافسات والمسابقات، إلى قيمة حضارية ملهمة ولغة إنسانية راقية، وأصبحت "منظومة صناعية" لها أدواتها وآلياتها ومقوماتها، بل واقتصاد هائل يدر المليارات ويوفر ملايين الفرص للعمل. الرياضة الآن، تُشكل "علامة بارزة" لتفوق وتميز وتطور الأمم والمجتمعات والشعوب.

&الرياضة لم تعد مجرد ركل كرة جلدية أو الفوز في سباق سرعة أو التنافس على ميدالية ملونة، ولكنها تخطت كل تلك المشاركات والمنافسات والطموحات، وأصبحت في صدارة القوى الناعمة التي تفخر بها الدول الذكية وتستثمرها بكل ذكاء وحرفية لأنها أدركت جيداً قيمة وتأثير وسحر الرياضة.

&للأسف الشديد، مازالت النظرة العربية للرياضة قاصرة وملتبسة ومشوهة ولا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام والرعاية والاحتفاء الذي تستحقه باعتبارها منصة عالية تعشق وتُظهر حضارة وقوة ومكانة الأمم والشعوب. الرياضة الآن، بل ومنذ عدة عقود، أصبحت سلماً للمجد وعلامة للتفوق.

&ولعل الظهور العربي الخجول في منافسات هذه الأولمبياد خلال تاريخها الطويل، يضع أكثر من علامة استفهام حول المكانة الحقيقية التي تحتلها الرياضة في ذهنية وقناعة المسؤولين والمعنيين بالرياضة العربية، فضلاً عن الممارسين لها.

&أما على صعيد المشاركات السعودية الـ ١١ في تاريخ الدورات الأولمبية والتي بدأت في أولمبياد ميونيخ الألمانية عام ١٩٧٢، فقضية تستحق الاهتمام والدراسة والشفافية، لمعرفة الأسباب الحقيقية لسلسلة الاخفاقات الأولمبية الوطنية المتكررة.&

في هذه الأولمبياد، رغم المشاركة الشرفية للبعثة الوطنية الرياضية التي لم تتجاوز الـ ١١ لاعباً، إلا أن هناك ثمة ما يُبهج وهو الحضور اللافت للفتاة السعودية التي تُشارك للمرة الثانية بعد أولمبياد لندن في عام ٢٠١٢.

&لقد استطاعت الفتاة السعودية أن تُبهر العالم بنبوغها وتميزها العلمي والثقافي والفني والإنساني، وها هي اليوم تتجاوز تابوهاً آخر في "مضمار" التحدي والإرادة والإصرار الذي تعرف جيداً كيف تفوز به في نهاية السباق.&

البدايات، مهما كانت خجولة ومتواضعة، لكنها تؤسس لصناعة مجد وإلهام وتميز، ستحمله المرأة السعودية بكل فخر.