&&خالد السليمان

قادني حنيني الوطني إلى حضور معرض فني أقامه فنانون سعوديون مبدعون في مدينة سان فرانسيسكو تحت عنوان «جيل» بتنظيم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، كانت الأعمال الإبداعية المعروضة مزيجا من اللوحات المرئية والمنحوتة والمرسومة وأشياء أخرى لا أصنفها إلا في خانة الإبداع المتحرر من أي قيود لخيال الفنان وأفكاره ومهاراته !

بعض الأعمال الفنية المعروضة كانت أقرب إلى جسور نقلت الواقع إلى أبعاد الخيال لتعيد تقديمه في صور تدعو للتأمل العميق والإبحار في فضاء لا حدود له، على سبيل المثال تستقبل الزائر لوحة مرئية للفنان نغيمشي يخط فيها بالنفط أحرف كلمة «سراب» على لوح من الزجاج في الصحراء ثم يعود لحيطمه وقد تلطخ ثوبه بالنفط بدلا من الأصباغ، في رسالة ذات دلالات متحررة !

الفنان عبدالناصر غارم يكتب بالأختام رسائله، ويطالبنا في لوحة معبرة بعدم الثقة بالخرسانة فحياتنا تملؤها أرواحنا الحية لا القوالب الجامدة، وآمالنا لا تمنعها الحواجز الإسمنتية من بلوغ أهدافها !

أما الفنان عجلان غارم، فيبدع في لوحة مرئية سماها للجنة أبواب عديدة، جسد فيها صورة دار عبادة بنيت جدرانها من السياج في أرض سماؤها صافية وأرضها منبسطة، عبرت عن شفافية الإيمان ووضوح مسالكه، لكنني قرأتها أيضا على أنها رسالة ضد المتطرفين الذين يريدون تحويل دور العبادة إلى مصائد للأفكار المنحرفة وسجون للمعتقدات الباطلة !

من الأعمال المميزة كانت سجادة مطوية تم تقطيع أجزائها فبدت في أبعادها المجسدة كما لو أنها قطع منفصلة لكنني لم أرها سوى جسدا واحدا عبر عنه إبداع الفنان راشد الشعشعي !

الفنان «شاويش» استطاع أن يأخذني إلى بعد زمني آخر، كتب عناوين صحف أخبار الماضي بشخصيات من خيال المستقبل، فصحيفة الأخبار المصرية القديمة يتصدرها مانشيت «دارث فيدر ضيف شرف الوفد العربي في مؤتمر الصلح بفرساي عام ١٩١٩م» وصورته ضمن أعضاء الوفد العربي، في صحيفة أخرى كابتن أمريكا يظهر في لقطة مع اللاجئين العرب، ويدعو الإدارة الأمريكة لاتخاذ موقف بخصوص اللاجئين !

تجاوزت مساحتي المحددة اليوم بكثير فهناك أعمال أخرى جميلة للفنانين سارة أبوعبدالله وأحمد عنقاوي وظافر الشهري ومنال الضويان وعهد العمودي ونجود العنبري وأيمن يسري ودانا عورتاني، فالكتابة عن مبدعينا لا تكفيها مقالات لا مقالة واحدة، كل ما أقوله كانت صورة جميلة قدمها شباب سعوديون في مدينة ساحرة عن وطن يريد أن يشاهد العالم وجها آخر له غير ذلك الوجه الذي يريد المتطرفون أسرنا في ملامحه المتجهمة !