عبدالله خليفة الشايجي

لقد كتبنا خلال العامين الماضيين العديد من المقالات عن تحديات مواجهة الإرهاب وعن الحروب غير المتناظرة، التي تخاض اليوم في بعض ساحات المنطقة. ولا تزال الولايات المتحدة تخوض أطول حروبها، وهي الحرب في أفغانستان التي استمرت حتى الآن لخمسة عشر عاماً، ضد حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة»، واليوم ضد «داعش»! وأنا أكتب هذا المقال ورد خبر عاجل عن مقتل حافظ سعيد زعيم تنظيم «داعش» في أفغانستان- باكستان بهجوم لطائرة أميركية بدون طيار.

والحال أن جميع الدول تتضامن في الحرب على الإرهاب، التي بدأها الرئيس السابق بوش الابن في عام 2001 بعد اعتداءات 11 سبتمبر، بهدف إلحاق الهزيمة بكل من «القاعدة» و«طالبان». وما زالت أميركا تشن الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا واليمن والصومال. ولكن قد يقول منتقدون إن تلك الحرب انتقائية ضد التطرف والمنظمات الإرهابية السُّنية وليس سواها. وسيورث الرئيس أوباما الحرب على الإرهاب وخاصة على تنظيم «داعش» للرئيس الأميركي القادم. وكان ملفتاً اتهام المرشح الجمهوري دونالد ترامب للرئيس أوباما ومن اعتبرها شريكته المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، بأنهما كانا وراء قيام تنظيم «داعش»! ما أثار لغطاً وتعجباً في الساحة الأميركية وخارجها! ثم تراجع عن ذلك في تغريدة له في اليوم التالي واصفاً اتهامه بأنه كان عبارة عن سخرية!

وقد انضم كثير من الدول إلى تحالفات دولية أو إقليمية في الحرب على الإرهاب وتنظيماته. وشكل أوباما في أغسطس 2014 تحالفاً من 65 دولة، لمحاربة تنظيم «داعش»، بهدف إضعافه وهزيمته في العراق وسوريا، في سابقة يُشكل فيها تحالف من أقوى دول العالم ومن دول إقليمية وعربية لمحاربة تنظيم. وحتى إيران تقدم أوراق اعتمادها في الحرب على «داعش»! بل ترسل قادتها وخبراءها كمستشارين مثل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، الذي تصنفه أميركا بـ«الإرهابي العالمي»، وتنسق معه في معارك تكريت والفلوجة! وتغض أميركا الطرف عن تجاوزات إيران في حقوق الإنسان في الداخل، وسجلها المتخم بالإعدامات. وتدخلها في شؤون حلفاء واشنطن، وذلك للتوصل لاتفاق نووي، وللتنسيق ودعم المجهود الأميركي في الحرب على الإرهاب وخاصة تنظيم «داعش» في العراق.

إن معظم الحروب التي تُخاض اليوم في منطقتنا هي حروب تخوضها جيوش نظامية غير مدربة على قتال مليشيات وجماعات عسكرية مسلحة، ذات إيديولوجيات دينية متطرفة، مثل «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» التي غيرت اسمها إلى «جبهة فتح الشام» في سوريا.. و«الحشد الشعبي» في العراق و«حزب الله» في لبنان، ، و«الحوثيين» في اليمن. وكل ذلك يُضعف الدولة المركزية ويفتت سيادتها، ويجعلها تابعة لتلك التنظيمات. وهذا يزيد من تمدد الفوضى وتسعير أوار الطائفية!

وعادة ما يُعطي المسؤولون الأميركيون إحصائيات وردية عن نتائج الحرب على تنظيم «داعش» بعد شن حوالي 11 ألف غارة، ومقتل 45 ألفاً من مقاتلي التنظيم، وتقليص المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها في العراق وسوريا إلى نسبة 40% بعد خسارته لتدمر وعين العرب ومبنج وتكريت والفلوجة والرمادي وبيجي وغيرها في سوريا والعراق. واليوم تتحضر أميركا والجيش العراقي ومعه «الحشد الشعبي» لتحرير الموصل ثاني أكبر مدن العراق، والرقة معقل «داعش» في سوريا، ضمن المعركة الأخيرة لسحق التنظيم بعد عامين من ظهوره وتمدده في العراق وسوريا.

وقد أظهر تحقيق للجنة في الكونجرس مبالغة وتضخيماً وتلاعباً بالحقائق بشأن حرب الولايات المتحدة وحلفائها ضد «داعش» بعد عامين من بدء الحرب على التنظيم المتطرف. ووجهت انتقادات للمخابرات الأميركية ومركز القيادة المركزية للقوات الأميركية في الشرق الأوسط المسؤولة عن حروب أميركا في المنطقة. وزعم تحقيق في مجلس النواب الأميركي أن هناك تضليلاً ومبالغة في النتائج خلال العامين الماضيين، وأنه قد مُورس نوع من الضغط على المسؤولين العسكريين للخروج بتقييم وردي مبالغ فيه لنتائج الحرب غير المحسومة ضد «داعش».

والسؤال: هل الهدف من المبالغة هو لإظهار أن إدارة أوباما قد حققت إنجازات ضد تنظيم «داعش» ما سيعزز فرص فوز هيلاري كلينتون للفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية ضد منافسها دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري؟

والواقع أنه بعد عامين من الحرب العالمية على «داعش» فإن التنظيم قد أضعف ولكنه لم يُهزم بشكل نهائي حتى الآن، وقد تقلصت سيطرته على المساحات، ولكن خطره تمدد بوصوله لأوروبا وأميركا وحتى بنجلاديش إلى نيجيريا. وهزيمة الفكر المتطرف بحاجة لأكثر من سلاح طيران وطائرات بدون طيار ومبالغات في النتائج في تقارير استخبارية وعسكرية. والأهم من الهزيمة العسكرية هو هزيمة الفكر المتطرف بفكر مضاد. وتغيير نهج وسياسات تُستخدم كذريعة لتجنيد الاتباع وغسل أدمغتهم وتحويلهم إلى قنابل انتحارية. ولهذا مقال آخر.