&هدى الحسيني&

&إذا كان «حزب الله» وإيران وسوريا يعيشون «زمن الانتصارات»، كما قال يوم السبت الماضي الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، فلماذا هذا التهليل «باحتمال» انضمام تركيا إلى صفهم؟ كيف يُعطى رجب طيب إردوغان الرئيس التركي هذه الانتصارات، رغم أن موقفه لم ولن يحسم بالنسبة إلى بقاء الرئيس السوري بشار الأسد. في كلمة نصر الله، يتبين أن الانتصارات بحاجة دائمًا إلى حروب مشتعلة، كي تتضاعف وتتوالد. وفي عز اندفاعه في الرغبة بتسجيل الانتصارات اختتم نصر الله كلمته قائلاً بحسم: مستقبل لبنان هو المقاومة! لكن ماذا بالنسبة إلى من يرفض الالتزام بهذا المستقبل وهم كثيرون، ماذا سيفعل الأمين العام للحزب؟ هل يمكن تفسير حسمه بأنه دعوة إلى تقسيم لبنان.

بتركيزه على أهمية «الانعطافة» التركية كان نصر الله يعكس افتتاحية «طهران تايمز» في 12 من الشهر الحالي التي اعتبرت «تقرب أنقرة من طهران والقوة العظمى الصديقة روسيا سيساعد على جعل الشرق الأوسط كيانًا أكثر شرعية على المسرح العالمي» و«بأن المثلث الاستراتيجي الجديد الذي هو في طور التكوين سيبدأ في الوقت المناسب يترك تأثيرًا أكبر ليس على سوريا فحسب، بل على منطقة الشرق الأوسط بأسرها».

من دون شك، فإن العلاقات بين أنقرة وواشنطن متوترة وزادت في توترها محاولة الانقلاب الأخير خصوصًا بعد فشل المسؤولين الأميركيين في إدانة الانقلاب في الساعات الأولى لوقوعه، مما زاد في اعتقاد الأتراك، ويحرضهم على ذلك البعض في الشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة قادت الانقلاب إنما ليس للإطاحة بإردوغان، بل لإضعافه وفرملة سياسته السورية.

في الواقع، فإن الانقلاب الفاشل ربط يدي إردوغان في سوريا وأضعف الحكومة المركزية ودفع بالرئيس التركي إلى اعتماد سياسة الانتقام وذلك دفاعًا عن حياته.

محاولة الانقلاب وما تلاها من «ضياع» الرؤية عند الرئيس التركي أفرحت حتى الثوار السوريين، إذ إنها شلت قدرة أنقرة إزاء الإملاء عليهم التوجه حسب سياستها، وليس تبعًا لأهدافهم، ثم إن العاصمة التركية انكشفت أمامها مخاطر الأمن القومي التركي. أما بالنسبة إلى المتطرفين الذين تردد أن تركيا بين من يدعمونهم، فإن هي سدت عليهم طرق الإمداد العسكري قد يتسببون بالأذى داخلها. في «تحركاته» الأخيرة لا يملك الرئيس التركي «حرية الحركة»، إذ إن اللعب بالنار لا يحرق فقط الجيران. وإذا أصر إردوغان على مسار جديد من الانفراج مع دمشق، فليس مستبعدًا أن تتعرض بلاده لهجمات إرهابية انتقامية.

الرئيس التركي في منعطف لا يحسد عليه. هو ذهب بعيدًا عندما أسقط طائرة «السوخوي» الروسية فكانت الخسارة الاقتصادية كبيرة، وإذا ذهب الآن بعيدًا في تقاربه مع موسكو، فلن تسمح الولايات المتحدة والغرب له في التسبب بالمتاعب، فقد صار استخدام «الوكلاء»، سياسة تستعملها دول كثيرة ضد دول أخرى.

إن التمرد الكردي داخل تركيا أكثر ما يقلق أنقرة، وقد يتضاعف ويزداد حدة إذا ما قررت الولايات المتحدة استعمال الورقة الكردية ضد أنقرة، ومع ذلك فإن تطبيع العلاقات التركية - الروسية هو في مصلحة الطرفين، ويراهن إردوغان على أن الولايات المتحدة والحلف الأطلسي لا يتحملان الفوضى في تركيا.

بعد إسقاط أنقرة للطائرة الروسية، انطلق الإعلام الروسي في حملة «تحطيم» إردوغان، لكن قبل أسبوعين من زيارته إلى بطرسبورغ حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اختفت كل البرامج التلفزيونية في روسيا التي كانت تنتقده وتتهمه بدعم المتطرفين في سوريا، وهذه كانت تبث ذلك يوميًا تقريبًا.

يقول لي مصدر روسي، إن بوتين «لن يغفر لإردوغان خيانته»، لكنه في الوقت نفسه رجل براغماتي تابع تصريحات إردوغان العدائية للغرب والولايات المتحدة، فوجد الفرصة مؤاتية «لبناء معسكر ضد الغرب داخل الشرق الأوسط». استغل بوتين التوتر بين أنقرة من جهة وأوروبا وأميركا من جهة أخرى، فرغب في زيادة الشرخ بينهم. أما بالنسبة إلى الحلف الأطلسي، فيقول محدثي: إن الكرملين لا يوفر أي فرصة لاستغلال أي تصدع في الحلف، من هنا الترحيب بأنقرة لجذبها إلى المعسكر الشرقي. أما عن سوريا فيرى أن إردوغان صار أكثر حذرًا في دعمه للمجموعات المتطرفة، لكن لا يمكنه أن يتراجع بالكامل كي لا يخسر دعم دول أخرى في المنطقة، ثم في الوقت نفسه فإن روسيا مصرة حتى الآن على دعم بشار الأسد. يعتقد محدثي باحتمال اتفاق بين الرئيسين بالنسبة إلى دعم المعتدلين من الثوار، «لكن لا يمكن أن تجمعهما لغة واحدة حول كيفية التعاطي مع المتطرفين. هنا المواقف لن تتغير، وهذا سيكون التحدي الأساسي للعلاقات في المستقبل».

تزامنت «الوعكة» التي ألمت بإردوغان مع خروج المملكة المتحدة من المجموعة الأوروبية فرأى بهذا بوتين مجالاً أوسع للحركة في زمن العقوبات الاقتصادية على روسيا؛ إذ لفترة طويلة كانت المملكة المتحدة من أقوى الصقور في أوروبا ضد روسيا واستعادتها جزيرة القرم وتحركها في أوكرانيا، الآن سيكون هناك صوت قوي مفقود عندما يناقش الاتحاد الأوروبي معاقبة روسيا، وبالتالي ستخف العقوبات، إذ بدأت الأصوات تخرج من فرنسا وألمانيا في هذا الاتجاه، ويمكن لروسيا بالتالي ادعاء المصداقية في مواجهة أوروبا التي تعاني تصدعًا.

في هذا الوقت يأتي إردوغان إلى روسيا، تعب من الانتقادات الغربية ليجد بوتين يرحب بعضو في الحلف الأطلسي بحاجة إلى دعمه الاقتصادي والسياسي. لكن هذا لا يعني أن روسيا من دون مشاكل، فأسعار النفط العالمية لن تعود إلى ما كانت عليه، وعسكريًا رغم كل الأسلحة لا تزال روسيا صاحبة حاملة طائرات واحدة مقابل ما لا يقل عن 12 حاملة طائرات أميركية.

اللقاء الذي حصل بين بوتين وإردوغان يمكن أن ينظر إليه على أساسين؛ ما قبل محاولة الانقلاب وما بعدها. قبل المحاولة، ومن منظور إردوغان كان المحرك الرئيسي لإعادة العلاقات مع روسيا نابعًا من رغبته في فك الارتباط بين روسيا والأكراد. فتركيا ترى كل المجموعات الكردية في سوريا وداخلها كإرهابيين، في وقت يدعم الكرملين القوات الكردية في سوريا. من ناحيته عمد بوتين في حملته الروسية في سوريا على عدم استعداء تركيا بالكامل إلى درجة أن ترمي بكل ثقلها في أحضان الحلف الأطلسي.

بعد المؤامرة تغير المفهوم بالكامل. تركيا مصدومة، وإردوغان خائف وبلاده تشعر بأن حلفاءها الغربيين تخلوا عنها. في وقت كان بوتين أول رئيس يتصل بإردوغان، وعمد لحظة استقباله على تذكيره بذلك أمام عدسات المصورين. أدرك بوتين هذه الصدمة وأراد أن يستغلها.

في ظل العقود الاقتصادية من تجارة وسياحة وبناء وطاقة، التي ستبقى الجزرة التي يلوح بها بوتين لإردوغان، كان لا بد من سوريا. قال بوتين: إن وجهات نظر الدولتين حول الكيفية التي تدار بها الأزمة السورية لم تكن على الخط نفسه، لكنه وإردوغان اتفقا على محاولة إيجاد أرضية مشتركة لإيجاد حل في سوريا مقبول من جانب الطرفين. روسيا وتركيا تختلفان بشدة حول سوريا. إذا أراد إردوغان أن تتخلى روسيا عن الأكراد، فمن غير المؤكد أن يتخلى بوتين تمامًا عنهم، فالأكراد عنصر مهم، لا بل بالغ الأهمية لإبقاء قبضة الأسد على الجزء الغربي من حلب. في الوقت نفسه، فإن الشرط الروسي سيكون بالطبع أن توقف تركيا بالكامل دعمها للثوار المعادين للأسد. أيضًا من غير المتوقع أن يقبل إردوغان هذا الشرط؛ لأنه يعني أن شرق حلب قد يسقط في أيدي نظام الأسد.

قال إردوغان إن البلدين ملتزمان ومصممان على إعادة العلاقات بينهما إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة وحتى إلى وضع أفضل. قبل الأزمة أي قبل إسقاط «السوخوي»، كانت روسيا تقاتل دفاعًا عن الأسد ظاهريًا، وكانت تركيا تقاتل لإسقاطه.

مع احتفاظ كل من روسيا وتركيا بموقفيهما قبل الأزمة (علاقات اقتصادية وسياحة)، يبدو أن أحدًا غير مستعجل لإنهاء الحرب السورية ما دام الأسد يرفض أن يدرك أنه أصبح المشكلة، وبالتالي فإن الحرب سوف تستمر، خصوصًا أن الغرب فصل حربه على «داعش»، عن الحرب في سوريا.

&&__________

&