السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية اتسمت برد الفعل وركزت على الدبلوماسية المبالغ بها إلى درجة لم يصبح لها أي وزن

تثير سياسة إدارة الرئيس أوباما تجاه القضايا العربية، منها الأزمة السورية تحديدا، رزمة من الانتقادات: الخارجية الدولية والعربية، والداخلية، وعلى نحو خاص انتقادات النخبة السياسية الأميركية، ومنهم من يطلق عليهم اسم "المستعربين" الذين شغلوا مناصب رفيعة في مراكز صنع القرار الأميركي وفي مقدمها وزارة الخارجية.

وإذا كانت الانتقادات الخارجية تتراوح بين اللوم وخيبة الآمال ونعي الرهانات على تغيرات دراماتيكية في السياسة الأميركية فإن محور وصلب الانتقادات الداخلية يتعلق بطبيعة الدور القيادي العالمي للولايات المتحدة والمبادئ الرئيسية التي حددت صورة أميركا المفيدة لنفسها وللعالم.

في هذا السياق، رأى كريس هارمر من معهد دراسات الحرب في واشنطن أن السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية اتسمت برد الفعل وركزت على الدبلوماسية المبالغ بها إلى درجة لم يصبح لها أي وزن. ومن يملك الدبلوماسية هو من يملك القوة العسكرية على الأرض، وهم الروس في هذه الحالة، فهؤلاء لديهم مصداقية على وكلائهم، ودبلوماسيتهم لها معنى، بخلاف الولايات المتحدة التي لا تملك التأثير نفسه على حلفائها، ولهذا فكل ما تقوم به هو تعديل دائم لمواقفها السياسية في أزمة كانت تقتضي بالضرورة تفكيرا عميقا وحلولا بعيدة المدى.

ويعتبر نيكولاس كريستوف الكاتب أميركي الحاصل على جائزة بولتيزر، أن سماح أوباما باستمرار حرب سورية، ومعاناتها دون عائق، "أسوأ خطأ ارتكبه في تعامله مع هذا الملف، لأنه يلقي بظلال من الشك على تركته برمتها. ليس هذا فحسب، بل إن ذلك يمثل أيضا وصمة عار على جبيننا جميعا".

وكانت مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأميركية، وقع عليها 51 مسؤولا حاليا قد أعربت عن خيبة الأمل من سياسة إدارة أوباما السورية، تقترح واحدا من مثل هذه الحلول. وتقدم المذكرة التي تم إرسالها من خلال قناة منفصلة تابعة للوزارة خلال حرب فيتنام مراجعة سريعة للإجراءات الأميركية الخطأ في سورية، وتحث الإدارة على القيام بعمل عسكري ضد القواعد والمواقع السورية.

وفي الحديث عن الاعتراضات الدبلوماسية على سياسات أوباما، لا بد من التوقف عند ما يقوله روبرت فورد، الذي كان آخر سفير أميركي لدى سورية، وقد بقي في منصبه لأشهر عدة بعد بدء الأزمة السورية، قبل أن تسحبه الإدارة الأميركية مع اشتعال الحرب الأهلية في 2011. فقد قال في حديث إلى مجلة "نيويوركر"، إن "وزارة الخارجية الأميركية تشهد حالة من الإحباط الشديد بسبب السياسة التي تتبعها واشنطن في سورية، لا سيما مع انهيار المساعي إلى إيجاد حل سياسي من شأنه أن يؤدي إلى وقف الأعمال العسكرية".

أما فريدرك هوف الذي منحه أوباما رتبة سفير وأوكل له مهمة المستشار الخاص حول القضية السورية، فيقول "أن يكون المرء مخطئا من الناحية التحليلية فإن ذلك لا يجعل منه أعمى أو منيعا أمام التداعيات الناجمة عما فعلته الولايات المتحدة وعما فشلت في فعله في سورية".

بالمقابل، نجد أن المدافعين عن السياسة الأوبامية السورية وتجاه العرب عموما يشيرون إلى وجود مجرد أخطاء سياسية صغيرة عابرة أو عثرات لا تشكل عورات أو عيوبا كبيرة في تلك السياسة. ويقف آرون ديفيد ميلر، نائب رئيس "مبادرات جديدة" في مقدمة أولئك المدافعين، ففي مقالة له بعنوان "لا تلوموا أوباما على حرب سورية الكارثية" نشرتها مجلة (نيوزويك) في 16/ 2/ 2016، قال: "ليس هناك أي شك في ذهني بأن الولايات المتحدة عندما تخطئ أو تتجاوز، فإنها تضيف إلى مصداقيتها أكثر مما تقلل منها. ولا نستطيع، ولا ينبغي لنا أن نجلد أنفسنا من دون داعٍ، خاصة أن هناك الكثيرين جدا في الوطن وفي الخارج ينتظرون هذه الفرصة بالتحديد".

واعتبر ميلر الفكرة القائلة إن أوباما كان يستطيع أن يوقف النزيف، أو أن لديه الآن القدرة أو الالتزام بإصلاح وتجميع التمزق السوري الذي لا يمكن إصلاحه، "ليست عنيدة في خطئها فحسب؛ إنها تتجاهل عددا من الحقائق غير المريحة على الإطلاق". ومن تلك الحقائق -حسب ميلر- أولا: لم تحدث الانتفاضة ضد نظام الأسد والحرب الأهلية التي أعقبتها في فراغ. كانت الأحداث التي وقعت في سورية جزءا من موجة واسعة من الانقسامات والاضطرابات عربية المنشأ، وبذلك، فإن الفكرة القائلة إن واشنطن كانت تستطيع ابتكار إستراتيجية شاملة لتشكيل هذا النوع من التحول لمصلحتها، ناهيك عن الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ، باستخدام عبارة الرئيس الملهمة -وإنما التي بلا معنى- هي فكرة غرائبية وسخيفة بكل وضوح. ثانيا، إن المسؤولية الرئيسية عن الأهوال التي ألمت بسورية وشعبها، بما في ذلك صعود "الدولة الإسلامية" هناك وأزمة الهجرة، تقع كلها على كاهل الأسد، والنظام السوري وممكنيه وداعميه؛ إيران وحزب الله وروسيا. وتشبه الحرب السورية عدوى مرض الإيبولا، حيث نجاة المريض واستمراره في إلحاق الأذى بمواطنيه، تضاعف فداحة الجريمة. ثالثا: إن سورية هي أولا وقبل كل شيء مشكلة سورية".

أما جاريسون طوماس مدير ومحلل الأخبار في مركز ويليام لويد فيرى أن التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج لم تأت إلا بالأسوأ. فالتدخلات خلال 25 عاما في الشرق الأوسط وجنوب آسيا أثبتت عدم صوابها.

ويبدو جليا أنه على حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة الأميركية أن يحذروها قبل خصومها وأعدائها، نظرا لسياساتها التي تفتقر إلى المبادئ والمفرطة بالبراجماتية والمتمحورة حول إدارة الأزمات وليس تقديم حلول ناجعة لها.

مأمون كيوان