السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر

إثر هجمات (سبتمبر 2001م) الإرهابية في نيويورك شكَّل الكونغرس الأمريكي لجنة لتقصي الحقائق، لبحث وجمع أكبر قدر من المعلومات حول تخطيط وتمويل وتنفيذ تلك الهجمات، وانتهت اللجنة إلى تقرير فاقت صفحاته (800) صفحة، ظهر الجدال بشأنه في أبريل الماضي مع مناقشة الكونغرس لمشروع قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) الهادف إلى توفير العدالة لضحايا الأعمال الإرهابية التي تُرتكب على الأراضي الأمريكية -ومنها هجمات (سبتمبر 2001م)- وتوفير الغطاء القانوني لأهاليهم لإقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد الأشخاص أو البلدان المشتبه في تمويلهم لتلك العمليات الإرهابية.

المثير في الموضوع هو حجب الفصل الأخير من التقرير من قِبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش لأسباب تتعلَّق بالأمن القومي، ويتكوَّن ذلك الفصل من (28 صفحة) تتناول -بزعم الإدارة الأمريكية- دور المملكة العربية السعودية في تلك الهجمات، واستمرت تلك الصفحات محاطة بجدار من السرية حتى يوم (15 يوليو 2016م) حينما أعلن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأن ذلك الجزء من التقرير سيُكشف للعامة بعد أن وافقت وكالات الاستخبارات وأجهزة إنفاذ القانون ووزارة الخارجية الأمريكية على نشره، وأن الصفحات المحجوبة برأت السعودية من هجمات (سبتمبر 2001م).

لقد ضغطت السعودية على الإدارة الأمريكية للكشف الفوري عن الصفحات السرية من التقرير منذ اليوم الأول لإعلانه، وذلك للأسباب الآتية:

الأول: إتاحة الفرصة أمامها للرد على أية اتهامات موجّهة ضدها حول مسؤوليتها عن تلك الهجمات، خصوصا أن حجب بعض صفحات التقرير عن الأوساط الدولية يثير الشك وربما يؤكده حول دعمها للإرهاب، ما جعل ذلك الموضوع مدار أحاديث ولقاءات وتحليلات الفضائيات والصحف العالمية والعربية. الثاني: من المؤكد أن تلك الصفحات تتضمَّن أدلة ومعلومات مهمة عن داعمين محتملين للإرهاب، ما سيمكِّن السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من محاربتهم واجتثاث جذورهم.

الثالث: من المعروف أن السعودية تعدّ من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ والشكوك التي أثارها ذلك التقرير طوال السنوات الماضية في تصرفات ونوايا المملكة تجعل من الصعب المرور مرور الكرام على هذا الأمر، وقد تسبَّب ذلك بطبيعة الحال بانعكاسات سلبية على علاقات الصداقة الإستراتيجية والتاريخية بين البلدين وتوترها. لقد عانت السعودية منذ سنوات طويلة من الإرهاب، وعملت على محاربته، ودعت في مختلف المحافل الدولية إلى استخدام كافة الوسائل للقضاء عليه، وشاركت المجتمع الدولي في ذلك بتقديم كافة أشكال الدعم المادي والميداني، رغم محاولة الإعلام الغربي إلصاق تهمة مساندة الإرهاب بها من أجل زعزعة أمنها واستقرارها وتقليص دورها الإقليمي والتشكيك في قدرتها على قيادة العالم الإسلامي والعربي، إلا أن قيادتها لعاصفة الحزم مكّنتها من تشكيل قوة عسكرية واقتصادية مؤثرة على سير الأحداث في المنطقة؛ وكانت هي الرد القاصم على الحملات العدوانية ضدها لما أعادته للأمة العربية والإسلامية من مكانة ودور في التحكم بمصيرها وقرارها وفَرض إرادتها والتأثير في مجريات الأحداث والتطورات والقضايا الدولية والإقليمية تبعا لمصالح شعوبها، وعلى وجه التحديد وقف التمدد الإيراني.

ورغم جميع الحملات الإعلامية والسياسية ضد السعودية؛ تبقى الحقيقة التي يثبتها واقع الأحداث بأنها -ومنذ سنوات طويلة- هي صاحبة الدور الأساسي في محاربة التطرف والإرهاب واجتثاث الأرضية الأيديولوجية التي تغذيه في مختلف بقاع العالم، وما يؤكد ذلك مبادراتها ودورها المحلي والإقليمي والدولي التي يتمثَّل أبرزها في إنشاء (مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب) الذي كانت هي صاحبة المبادرة لإنشائه تحت المظلة القانونية للأمم المتحدة بهدف وضع آليات تبادل المعلومات والخبرات بين الدول لمكافحة الإرهاب، وتبرعت بمبلغ (110 ملايين دولار) لتأسيسه. ورغم الجهود السعودية الجبارة في هذا الميدان، فإن ذلك غير كافٍ للسيطرة على الإرهاب العالمي، ويتبقى الاعتراف بأن التعاون الدولي في هذا المجال دون استغلال لتنفيذ أجندات تخدم المصالح الذاتية لبعض الأطراف، هو سبيل الخلاص والتحرر من قيود الإرهاب، فالملاحقة الأمنية رغم أهميتها لن تكون مثمرة إذا لم ترافقها برامج فكرية وخطط عملية دولية للقضاء على الفكر الإرهابي، والإنصاف في ذلك بعدم تحديده في إطار ديني إسلامي، وهنا يبرز الدور الأممي الهام للتوصل لاتفاق دولي لتعريف (الإرهاب)، وإعداد برامج واتفاقيات دولية عادلة تضع النقاط على الحروف حول الالتزامات والطرق الصحيحة للحد من الفكر الضال والمتطرف.

(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.