&باسم الجسر

صحيح أنها ليست ولن تكون حربا كلاسيكية بين جيوش تتقاتل على الأرض وفي الجو والبحار، على غرار الحربين العالميتين الأخيرتين. وأن السلاح النووي لن يستعمل لحسمها كما حدث عام 1945 مع اليابان، ولكنها لن تكون حربا قصيرة العمر والمدى أو قليلة الضحايا. ولن تتوقف بهزيمة حاسمة لأحد أطرافها أو إحدى مجموعاتها المتحالفة ظاهرا والمتعارضة الأهداف والاستراتيجية، فعلا. إنما الأكيد أن الذين سيدفعون الثمن ويقعون ضحاياها هم الذين ستجري المعارك على أرضهم أي العرب والمسلمين، وأبناء منطقة الشرق الأوسط عموما.

في الأيام الأخيرة تركزت الأنظار عسكريا على معركة حلب والاستعداد لتحرير الموصل من قبضة «داعش»، وما جرى في فضاء الحسكة من معركة جوية تدخلت فيها الولايات المتحدة مباشرة. وسياسيا على الانتخابات الرئاسية الأميركية وعلى تكويعة الرئيس التركي باتجاه موسكو وإيران، بعد الانقلاب الفاشل الذي تعرضت له تركيا. فلا شك في أن مصير المعركة في حلب وحولها سوف يدفع بالصراعات في سوريا باتجاه مرحلة جديدة مهمة، حتى ولو لم تكن حاسمة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الموصل والرقة وغيرهما من المدن والأراضي التي احتلتها «داعش» «في ليلة لا ضوء قمر فيها»، كما يقول المثل. وقادة «داعش» يعرفون ذلك ويدركون أن الضربات الجوية التي استهدفتهم منذ سنتين ليست سوى مقدمة لمعارك أكبر هدفها القضاء عليهم، أو على الأقل لتحرير الأراضي والمدن السورية والعراقية التي سيطرت عليها. ولذلك فإن الحرب على «داعش»، التي تشارك فيها دول عربية وشرق أوسطية ودولية كبرى، ستدخل مرحلة جديدة في العراق وسوريا وبأشكال إرهابية أخرى في العالم.

بديهي أن «داعش» لن يتمكن بتفجيراته وانتحارييه من التغلب على الدول الكبرى والإقليمية والحلف الدولي الذي يتصدى اليوم له، بل العكس هو المنتظر والمرجح. ولكن المشكلة الحقيقية التي سوف تواجه هذا الحلف هي مرحلة ما بعد التغلب العسكري على «داعش» في سوريا والعراق وليبيا. صحيح أن الإرهاب الدولي الذي التقت كل هذه الدول على محاربته يتجسم، أكثر ما يتجسم، في «داعش» وبعض التنظيمات والجماعات المتطرفة، ولكن القضاء على احتلال «داعش» لقسم من سوريا والعراق لن ينهي الإرهاب في العالم، بل سيدخل الصراع مرحلة جديدة، يصعب تصور معالمها وميادينها الآن وغير متفق عليها بين موسكو وواشنطن وإيران وتركيا والدول العربية المشاركة في المعركة.

كيف سيحكم العراق بعد تحرير الموصل من قبضة «داعش»؟ ومن سيكون له الكلمة العليا في سوريا بعد تقلص قبضة «داعش»؟

إن من أهم أسباب ما غرق فيه الشرق الأوسط - وباتفاق المراقبين الجديين - كانت الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق بعد احتلالها له، كحل الجيش العراقي وتسليم الأحكام إلى الأحزاب والشخصيات التابعة لإيران فيه. وهذه الأخطاء مرشحة للتكرار بعد التغلب على «داعش»، بل إنها مؤكدة الوقوع؛ نظرا لتضارب المصالح والحسابات بين موسكو، وواشنطن وإيران وتركيا حول عدة قضايا أساسية يجري التصارع والتقاتل من أجلها، كالقضية الكردية مثلا، ونظامي الحكم في سوريا والعراق.

يرد البعض على هذه المخاوف بالقول بأن الأولوية المتفق عليها دوليا وإقليميا هي تحرير الأراضي السورية والعراقية من احتلال «داعش». وبعد ذلك يبدأ الحوار بين أركان الحلف حول الخطوة أو الخطوات التالية. وليس قبل ذلك. وهذا الرد منطقي في ظاهره، ولكنه يترك عشرات القضايا والنزاعات والمشاكل معلقة بل ساخنة، ومرشحة لإشعال القتال والتقاتل من جديد، وتوليد نوع جديد من الإرهاب.

إنها حلقة مفرغة لم يشهد التاريخ والعالم مثيلا لها، عنفا ودموية تدميرا وتهجيرا. وأمام أنظار الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان. وأيا كانت تطوراتها القادمة فإنها أعادت وستعيد شعوب هذه المنطقة من العالم عشرات بل مئات السنين إلى الوراء.

إن «التكويع» التركي نحو موسكو وطهران وما جرى في الحسكة، في اليومين الأخيرين أدخلا الصراعات في سوريا والعراق مرحلة جديدة من أهم عناوينها القضية الكردية. ومن المنتظر أن تتأثر به المعارك الدائرة في شمالي سوريا والعراق سلبيا.

غريب جدا ما يحدث في الشرق الأوسط من صراعات مكشوفة وأخرى من وراء الستار، ومن الربيع العربي الذي ارتفعت فيه شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية.. إذا بنا بعد ست سنوات ضحايا معارك دولية وإقليمية تخوضها تركيا وإيران وروسيا ودول كبرى وإقليمية على أراضينا وفي سمائنا، ويرتهن مجراها بالقضية الكردية!

&

&

&