&حسن مدن


لا تقارن العلاقات التي تجمع أغلبية، إن لم يكن كل، الدول العربية بالولايات المتحدة الأمريكية بنظيرتها مع روسيا الاتحادية. وإذا ما استثنينا الحال السورية، فما من دولة عربية يمكن أن نطلق عليها أنها حليفة لروسيا، وحتى بالمقارنة مع الحقبة السوفييتية، فإن موسكو خسرت الكثير من حلفائها في المنطقة، بدءاً من مصر حين استدار أنور السادات كلية نحو الولايات المتحدة والغرب، وشحن آلاف، وربما عشرات الآلاف من الخبراء السوفييت وعائلاتهم في مصر، في طائرات وبواخر إلى بلادهم بطريقة تعمد أن تكون مهينة.


توالت خسائر موسكو في المنطقة بالتتالي: توحيد اليمن، أفقدها تأثيرها ونفوذها في الشطر الجنوبي منه، المعروف بجمهورية اليمن الديمقراطية، المحكوم من الحزب الاشتراكي اليمني. الاحتلال الأمريكي للعراق أنهى ما كان بينه وبين روسيا من بعض التعاون، وهو ما كان الروس يخشونه. وحسبنا أن نعيد إلى الذاكرة الجهود الكبيرة التي بذلها السياسي الروسي المحنك بريماكوف في أواخر العهد السوفييتي لإقناع صدام حسين بسحب قواته من الكويت تحاشياً للحرب، لكن الأمريكان كانوا قد اتخذوا قرارهم بالحل العسكري، فلم يمهلوا تلك الجهود حتى تثمر.
إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا أفقد الروس أيضاً موقعاً آخر من مواقع التأثير، وهذا ما يجعل فلاديمير بوتين ووزير خارجيته لافروف يكرران أن موسكو لن تسمح بخديعتها مرة ثالثة في سوريا بعد الذي حدث في العراق وليبيا.
المفارقة أنه رغم العلاقات الوطيدة بين الولايات المتحدة والأغلبية الساحقة من الدول العربية، والتي تبلغ في بعض حالاتها حد التحالف الاستراتيجي في المجالات العسكرية والأمنية، فضلاً طبعاً عن التجارية والاقتصادية، والتنسيق السياسي الوطيد، إلا أن هذه الدول تشكو، سراً أو جهراً، من أن واشنطن لا تتعامل معها كدول حليفة، ولا تخفي بعض دولنا أنها ترى الموقف الروسي أكثر وضوحاً وشفافية، وترسل، سراً أو جهراً، رسائل إيجابية إلى موسكو عن رغبتها في التعاون معها في تسوية مشاكل المنطقة.


لكن أثقالاً كثيرة ما زالت تقيد العرب في المضي في هذا الخيار، بعضها نتاج حساسيات الماضي يوم كان الغرب يعيق أي انفتاح على موسكو، وبعضها آتٍ من الخشية من أن يثير أي تعاون عربي مع موسكو غضب واشنطن، لذا يظل التلويح بالورقة الروسية من قبل العرب مجرد مناورة ضغط على واشنطن: إن لم تسمعونا فسنذهب إلى موسكو.
آن الأوان أن تكف الدول العربية عن ذلك، وتدرك أن مصلحتها هي في عالم متعدد الأقطاب، موسكو من أكثرها أهمية، وأن تتذكر الحكمة التقليدية حول خطورة وضع البيض كله في سلة واحدة.

&

&