محمد الساعد

المتابع لجمهور قنوات الإخوان، التي تبث من خلال جمعية «مستوطنات عزمي بشارة الإعلامية»، يستطيع أن يكتشف بسهولة، النوعية الرديئة من المتابعين، التي يتوجه إليها ذلك الإعلام.

لكنها نوعية مخلصة في تصديقها وإيمانها بالأكاذيب، التي يتم نشرها وبثها عبر تلك الوسائل، وحتى لو ثبت عكسها مستقبلا، ينتقل ذلك الجمهور بشكل تلقائي، من خانة الدفاع إلى خانة التبرير.

الإعلام الممول من «عزمي»، يعلم ذلك ويحرص عليه، ويتوسع في الوصول إليها، ويقودها ويحرضها، لأنها في نظر الإعلام الحركي، هم الرهط المدافعون دون تفكير، جنود مخلصون محترقون في معارك ليست لهم.

لنراجع فقط بضعة قضايا قادها إعلام «عزمي» والآلة الإخوانية من بعده، وقدرتهم على صناعة مشاهد غير حقيقية، وبناء خارطة أكاذيب ضد الخصوم.. العلاقة مع روسيا، العلاقة والتطبيع مع إسرائيل، العلاقة بين الدول العربية وإيران، الصدام مع النظام السوري، نتائج الانتخابات الليبية ودعم انقلابيي طرابلس عليها، الحقوق المدنية والإعلامية بعد انقلاب تركيا مقارنة مع مثيلاتها في الدول العربية الأخرى.

مثل ذلك الجمهور الأعمى، شاهدنا كيف تم بناؤه في مصر على مدى سنوات، حتى قبل وقوع الاحتجاجات في 25 يناير 2011، لقد استطاع الإخوان تحريكهم بسهولة مطلقة حينما حانت ساعة الصفر.

صحيح أن الكتلة الأساسية هي من أعضاء التنظيم المخلصين، إلا أن الإخوان أضافوا إليهم، خليطا من مشجعي كرة القدم «الالتراس»، والمدمنين، والعاطلين، وأصحاب السوابق، والمسحوقين ممن لديهم خصومة دائمة مع المكونات الاجتماعية الغنية وذوي النفوذ، إضافة لبعض شباب اليسار المتحمسين غير المؤمنين بالدولة، الخاضعين لفكرة الهدم، حتى لو أدى ذلك لانهيار كامل في مؤسسات الوطن بمفهومه «الكلاسيكي».

التركيز في مصر وقع على «الالتراس»، لأنه كتلة بشرية منظمة، يمكن تحريكها بسهولة، كما أن لديها قيادة واضحة، إضافة إلى أن معظم المنتمين إليه هم الطبقات العمالية غير المتعلمة، وصغار السن من المراهقين المتحمسين.

ما فعله إخوان مصر حاول حركيو السعودية القيام به، فركزوا على فئات اجتماعية وأعمار سنية معينة، ولعلنا لا ننسى جمهور سعد الفقيه الذين كانوا يتواصلون معه من خلال قناته التفزيونية قبل احتجاجات الربيع «الخريف العربي».

كيف كانوا في الأغلب من عتقاء السجون، ومدمني المخدرات وأصحاب السوابق، وكيف وجدوا في «سعد الفقيه»، ضالتهم للانتقام من المجتمع والدولة التي تمثله.

جمهور سعد الفقيه من درباوية «التسعينات»، انتقل بالكامل بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أحضان رموز السوشل ميديا، خاصة صانعي ثقافة الكراهية والإحباط.

هم اليوم منتشرون بكثافة، لدى جماعة مناضلي التراب وفواتير المياه والكهرباء، أو المجاهدون من خلف الشاشات، المحرضون على الموت، والورائية وتكبيل المجتمع.

ولذلك نجد أن «الفقيه» -على سبيل المثال- صنع لنفسه معرفات عدة، «اجتهد» من خلالها في استرجاع جمهوره الذي فقده، وبناء جمهور إضافي.

المعرفات التي يستخدمها هو وغيره من الحركيين، اعتمدت على بث ما يطلبه الجمهور، وتكثيف الإشاعات، والأخبار الكاذبة، والاهتمام بالمعلومة السياسية والعسكرية، حتى ولو كانت مبالغات لا يمكن تصديقها، إلا أنها تبقى بضاعة رخيصة، يمكن بيعها في سوق الصراعات القاسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

لا يمكن نسيان قيام أحد الوعاظ بدعوة الدرباوية للتصدي للنساء الراغابات في قيادة السيارة، لعل الكثير أخذ تلك الدعوة التي جاءت عبر تغريدة في «تويتر»، من باب الطرفة، لكنها تعطي إشارات واضحة وعميقة، على آلية التحرك التي يتبناها الحركيون باتجاه الأطراف الاجتماعية الهشة، والتركيز على الأحياء الفقيرة في المدن الكبيرة، وكذلك بعض المدن الصغيرة والريف، التي يمكن إيجاد تلك النماذج فيها بكثافة.

الهدف بلا شك كان ولا يزال الاستفادة القصوى من الشخصيات «الطرية» عقليا، والمعدمة ماليا، التي قد يقوم بعضها بالموبقات، ومن ثم تعظيم الذنب في حياتها، حتى يمكن استغلالها من خلال فكرة التطهر.

ذلك التطهر يتم بالدفاع الأعمى عن البرنامج الحركي ورموزه، أو حتى الوصول إلى قتل النفس، إما بالمشاركة في معارك الآخرين ومواضع الفتن، وانتهاء بتمرير فكرة الوصول للجنة والاستمتاع بها، دون جهد أو عناء بالقيام بعملية انتحارية واحدة.