الجزائر: تجد الأحزاب الإسلامية في الجزائر نفسها في مفترق طرق قبيل أشهر من الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في الربيع المقبل، خاصة أن تيارات تتجاذب هذه الأحزاب بخصوص علاقتها مع السلطة، في وقت تبدو فيه المعارضة قد وصلت إلى طريق مسدود، سبقتها إليه السلطة.

وتعتبر حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) أكبر حزب إسلامي، أكثر هذه الأحزاب تعرضاً للتجاذبات، فالحركة منقسمة (ولو في صمت) بين تيارين الأول يمثله رئيسها عبد الرزاق مقري، وهو الذي يدفع نحو الاستمرار في نهج المعارضة الذي تنتهجه الحركة منذ مغادرتها الحكومة والتحالف الرئاسي، وهو التيار الذي يمثل الأغلبية (على الأقل ظاهرياً) مقابل تيار آخر يمثله رئيس الحركة السابق أبو جرة سلطاني، الذي يرى أن مكان الحركة هو بالقرب من السلطة، وأن المعارضة التي تنتهجها لم تأت أكلها، وأنه خلال ثلاث سنوات خسرت الكثير من المواقع، وأن الأسوأ من ذلك هو انسداد الأفق، فالسلطة أثبتت أن نفسها أطول مما راهنت عليه المعارضة، وأنها رغم «عقدة» الشرعية والأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، إلا أنها تبدو ثابتة في موقعها لا تتزحزح عنه، وهي قادرة أن تتحمل عشر سنوات على الاقل.

في خضم هذه التجاذبات عاد أبو جرة سلطاني إلى الواجهة، وهو الذي لم يغب تماماً منذ مغادرته السلطة، وطرح مبادرة، هدفها هو التليين من مواقف الحركة، ولكن الدنيا قامت ولم تقعد، خاصة وأن المبادرة جاءت في سياق كلام عن أن مبادرة سلطاني ليست بريئة، وأن وراءها توجهاً داخل السلطة يهدف إلى استرجاع الحركة، وهو توجه قد ينجح وقد يؤدي إلى انقسام جديد في الحركة، سيكون من الصعب عليها تحمله. من جهته سارع عبد الرزاق مقري إلى إخماد «النار» الذي أشعلته هذه المبادرة، مؤكداً أنها لا تعدو أن تكون مجرد ورقة قدمها رئيس الحركة السابق، ولكنها صعبة التحقيق من الناحية العملية، وأنه من حيث المبدأ فإن القيادة متفتحة على كل المبادرات والاقتراحات، بصرف النظر عن الجهة التي تتقدم بها، لكن في الأخير، فإن مؤسسات الحركة هي التي تفصل، وهو موضوع من شأنه أن يتضخم أكثر ويأخذ أبعاداً أخرى خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

من جهتها تعرف حركة النهضة أيضا نوعاً من التململ، بسبب الشك الذي بدأ يتسرب إلى نفوس الكثير من أبنائها، فمجلس الشورى الذي سيعقد اليوم قد يعرف بعض الاستقالات في صفوفه، خاصة أن الحركة مهددة في وجودها بسبب قانون الانتخابات الجديد، ونهج المعارضة الذي انتهجته جعلها تفقد مواقعها السابقة، هي التي كان لها كوادر تولوا مناصب في السلطة.

وتشهد حركة الإصلاح أيضا نوعاً من التململ، فقد بدأت تبتعد عن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، التي تحولت إلى هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة، وشرعت في داخلها بفتح موضوع العلاقة مع السلطة، وتتساءل إن كان من المجدي المواصلة في نهج المعارضة المطلقة.