رشيد بن حويل البيضاني

الهوية الوطنية للشعوب تعكسها مظاهر قد تبدو في عيون البعض أنها غير ذات أهمية، لكنها في الواقع تمثل جزءا لا يتجزأ من مكونات الشخصية، والتاريخ الإنساني يشهد على ذلك من خلال الآثار التي نشاهدها في متاحف العالم، فالفراعنة في مصر، كان لهم زيهم وعاداتهم وتقاليدهم، والأسكتلنديون في بريطانيا كذلك، نعم تندثر بعض هذه المظاهر نتيجة اختلاط الأمم والشعوب على مر التاريخ، ولكن ثمة ثوابت تحافظ عليها كل أمة، تعتز بها، بل وتفتخر بها، وتعتبرها رمزا لوجودها، وانعكاسا لأصالتها.

أما وقد منحنا الله تعالى خصوصية نفخر بها، وتتمثل في محافظة عرب الجزيرة العربية على عروبتهم وأصالتهم التي ترجع إلى ما قبل الإسلام، ورسخ الإسلام فيهم هذا الانتماء بعثة النبي العدنان، فعلينا المحافظة على هذه الخصوصية.

لنا عاداتنا وتقاليدنا وزينا الوطني، كلها قد توارثناها جيلا بعد جيل، نعم قد نطور فيها نتيجة ما نعيشه من نهضة وتقدم، ولكن يصعب على المرء أن ينسلخ عنها، لأن هذا الانسلاخ ذوبانا وتآكلا في الشخصية العربية التي نعتز بها.

أخبرني أحد الأصدقاء، حينما كان يدرس في بريطانيا منذ عشرات السنين، أنه حضر حفلا للدارسين أقامته الجامعة، وكانت المفاجأة أن حضر كل دارس بملابسه الوطنية، وكان يعتقد أن دول أفريقيا كلها ذات لباس واحد، وإذا به يكتشف أن لكل دولة زيها الوطني الخاص بها، والمتميز عن غيره.

نعم، قد يضطر السعودي المقيم في الخارج إلى أن يرتدي ملابس تختلف عن ملابسه الوطنية، حتى لا يسبب له احتفاظه بزيه الوطني مشاكل، وبخاصة في هذه الآونة التي بات الإرهاب فيها مقترنا بالعرب والمسلمين، لكن لا حجة على الإطلاق لهؤلاء الذين يعيشون في بلدهم وينعمون بخيراته، بل ويتبؤون مناصب عليا، أن ينسلخوا عن هويتهم، ويفرطوا في جزء أصيل من معالم الشخصية العربية السعودية، ويلبسوا ملابس أخرى، حتى وإن كانت غير مستهجنة، مهما كانت الحجج والذرائع، وإن كان البعض يريد التشبه بالغرب في مظاهر أبنائه، فالأجدر به أن يقلدهم في اجتهادهم وجدهم ونهضتهم وتقدمهم لا في الملبس والمأكل والاحتفالات التي هي غريبة على مجتمعنا العربي السعودي.

كلامي في السابق يأتي كرد فعل إيجابي لما اتخذته وزارة العدل السعودية من إجراء لمنع أحد العاملين فيها من دخول الوزارة لارتدائه ملابس غير ملابسنا التي اعتدنا عليها، لا تقل لي وأين حقوق الإنسان؟ وإذا كان المرء له حريته اختيار دينه، أفلا يحق له اختيار ملبسه؟. إن اختيار الدين مسألة تتعلق برب العباد، فهو الذي يحاسب ويجازي عليها، لكن الحفاظ على هوية الشعب يكون من اختصاص أولي الأمر، وليت كل الوزارات السعودية تحذو حذو وزارة العدل وتصدر أوامرها، وبخاصة للقيادات والمديرين بضرورة الالتزام بالزي الوطني.

إن التفريط في الزي الوطني هو بداية للتفريط في مكونات الشخصية العربية السعودية، وأخشى لو جارينا هؤلاء المنسلخين عن هويتهم أن يأتي يوم نفقد فيه كل شيء: كرامتنا، حضارتنا، تاريخنا، بل ونفقد فيه ديننا.
وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.