خالد القشطيني

تحدثت في مقالتي الماضية عن ظرافات وسخريات ونستون تشرشل. كانت قاعة مجلس النواب ميدانه الأول في هذا المضمار في مراشقاته مع المعارضة. الميدان الثاني الذي شهد أو استمع لكثير من قفشاته كان ميادين القتال خلال الحرب العالمية الثانية. كان من واجبه، بوصفه رئيس وزراء ووزير الدفاع، أن يطوف في هذه الميادين، ويستمع فيها لما يقوله الجنود، وبالوقت عينه يلقي عليهم شيًئا من خطاباته في شد أزرهم ورفع معنوياتهم. دخلت كثير من هذه الكلمات صحف الأدب البريطاني وسجلات الحرب وكتب الظرف والفكاهة الإنجليزية.

حدث أن زار فوًجا من الجنود الاسكوتلنديين فأشاد بروحهم القتالية وشجاعتهم وانتصاراتهم في المعركة الأخيرة، ثم عرج فقال: «ولكن فيكم يا أولاد عيب شنيع لا ندري كيف نعالجه». فأمسك الضباط والجنود أنفاسهم قلًقا، ماذا سيقول عنهم؟ ثم واصل تشرشل كلامه فقال: «أتريدون مني أن أصارحكم؟ نعم؟! هذا العيب الشنيع فيكم أنه ليس لدينا كثير منكم»!

فتنفسوا الصعداء وضجوا بالضحك والاستحسان والتصفيق. وراحوا يغنون أغنية الاستحسان التقليدية: .He is a jolly good fellow that no one can doubt «إنه لرجل جيد رائع، ولا أحد يشك فيه">

كان ونستون تشرشل مهتًما جًدا بمقاومة الغواصات الألمانية. وعندما أبلغوه بأن جنود البحرية البريطانية قد توصلوا لقنابل الأعماق القادرة على تدمير الغواصات وهي في أعماق البحر بماُسمي بـ«طريقة اسدك»، ذهب إلى مناطق تجربتها. وقف ضباط البحرية الملكية، وراحوا يشرحون كيف يكتشفون وجود غواصة بطريقة اسدك. وكانوا قد جاءوا بنموذج للشرح. وبعد أن قاموا بذلك طلب منهم مواصلة التجربة بإلقاء قنبلة أعماق عليها. فعلوا ذلك وأصابوها وتناثر حطامها في البحر. وبعد هنيهات قليلة ظهر على سطح الماء باب من أبوابها اقترب منهم، وإذا به يحمل هذين الحرفين WC ؛ الحرفان اللذان يشيران إلى أنه كان باب مرحاض.

ولكنهما بالوقت ذاته يرمزان لاسم ونستون تشرشل Winston Churchil، فقال لهم: «انظروا كيف تعرفني البحرية وتأتي لتحييني».

في تفقد الجبهة الأفريقيةُقّدر له أن يتناول العشاء مع الجنرال مونتغمري. وتضايق تشرشل كثيًرا من هذا العشاء لأن مونتغمري كان نباتًيا. حدث في هذه الجبهة أن وقع أحد الضباط الألمان أسيًرا بيد الإنجليز، وكان ضابًطا كبيًرا، دعاه مونتغمري لتناول العشاء معه وتبادل الكلام معه. رددت الصحافة البريطانية أنباء ذلك العشاء. وأثير الموضوع في مجلس النواب. وقف أحدهم يندد بغضب بهذا السلوك من مونتغمري، بطل معركة العلمين؛ أن يستضيف جنرالاً نازًيا من أتباع هتلر. ووجه بذلك سؤالاً واستجواًبا لرئيس الحكومة، تشرشل.

استمع لذلك ثم وقف وقال: هذه أكبر عقوبة على الجنرال الألماني؛ أن يتعشى مع مونتغمري ويأكل أكله. إنني أرثي له على ذلك!