&عبدالله خليفة الشايجي

وكأن الأزمة السورية الدامية والنازفة، والتي تزدحم على أرضها قوات دول ومليشيا من عشرات الدول، وتتقاطع فيها المشاريع والأجندات الإقليمية والدولية، وتجري على مسرحها حروب طائفية ومذهبية وبالوكالة، وبعد عامين من شن تحالف 65 دولة الحرب الجوية المتواصلة على تنظيم «داعش»، وبعد عام من شن روسيا حربها على تنظيم «داعش».. دخلت أخيراً الجارة الكبرى تركيا إلى المسرح ذاته، بعد تضررها لسنوات من تمدد فوضى الحرب السورية، سواء عبر اللاجئين أو الإرهابيين، حيث ضُربت اسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب.

بعد خمسة أعوام ونصف من الحرب الدموية الأطول والأكثر عنفاً، دخلت إلى الأراضي السورية في الذكرى الخمسمائة لمعركة مرج دابق قرب حلب، والتي هزم فيها الجيش العثماني جيش المماليك، ما مهد لبدء الحكم العثماني على مدى خمسة قرون لمعظم العالم العربي الذي انقلب على الأتراك في الحرب العالمية الأولى في سعيه للاستقلال عن «رجل أوروبا المريض» حينها، فانتهى الأمر بهزيمة المحور وتفكك السلطنة العثمانية وإنهاء أتاتورك للخلافة عام 1923.

واليوم تعود تركيا لسوريا بقوتها العسكرية بعدما غزت الكثير من الدول والمجتمعات العربية بقوتها الناعمة. ما يظهر تغير الديناميكيات والتحالفات في أتون الحرب السورية المستمرة منذ خمسة أعوام ونصف، والتي أزهقت أرواح نحو نصف مليون وحوّلت نصف الشعب السوري للاجئين ومشردين ومهجرين.

أطلقت تركيا عملية «درع الفرات» بقوات خاصة ودبابات ومشاة من «جيش سوريا الحر»، بدعم أميركي. والملفت أن العملية تُنفذ برضا روسيا وعدم احتجاج إيران، وبتنديد خجول من نظام الأسد. وباتت الفرصة سانحة لتركيا لتحقق أهدافها وتتفق مع الأميركيين على حدودها وتختلف مع روسيا في حلب، وتمسك بأوراق «الجيش الحر» وأوراق أخرى.

هناك أهداف ورسائل للتدخل العسكري التركي المدعوم أميركياً، وبحضور نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي زار أردوغان في أنقرة معتذراً عن تأخر زيارته، مشيداً بشجاعة الشعب التركي ودفاعه عن ديمقراطيته. لكن المهم في خطاب الإدارة الأميركية التي عبّر عنها بايدن أمام أردوغان كان تحذيره للحصان الذي راهنت عليه واشنطن، أي مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي حررت للتو مدينة منبج من قبضة «داعش»، ومطالبته هذه المليشيات، وعبر لغة صارمة، بالانسحاب من غرب الفرات إلى شرقه.

يبدو أن التدخل العسكري التركي في شمال سوريا يهدف لتحقيق ثلاثة أهداف: تطهير المنطقة الحدودية مع سوريا من جرابلس شرقاً إلى أعزاز غرباً في ريف حلب من تنظيم «داعش» الذي شن هجمات دامية في اسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب.

الهدف الثاني هو إنهاء حلم الأكراد بإنشاء منطقة مترابطة من الحسكة إلى غرب الفرات شمال سوريا، ما يضع أول مداميك الدويلة الكردية. وهذا خط أحمر مرفوض من تركيا.

أما الهدف الثالث للتدخل العسكري التركي فهو تحقيق ما دأبت تركيا على المطالبة به منذ أربع أعوام، أي إقامة منطقة آمنة على حدودها الجنوبية. فستتمدد قوات «الجيش الحر» غرباً باتجاه مدينة الباب في غرب حلب لمواجهة مقاتلي «داعش»، ما يسمح بإقامة المنطقة الآمنة كأمر واقع، مما يحقق الأمن القومي التركي، ويجعل تركيا لاعباً مؤثراً في الأزمة السورية. وبالتالي تكون تركيا على نفس الكفة مع إيران في الأزمة السورية، بما يعني أنه لا يمكن التوصل لأي حل في الأزمة السورية دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا وإيران، وبالطبع قبلهما الولايات المتحدة وورسيا، حيث اجتمع وزيرا خارجية البلدين (كيري ولافروف) في جنيف، الجمعة الماضي.. لكن دون ضوء في نهاية النفق السوري.

تريد تركيا الإيحاء بأنها تجاوزت هزّة الانقلاب الفاشل داخليا، بتطهير مؤسسات الدولة من دولة غولن العميقة والإصرار على تسلمه من واشنطن. وخارجياً، ترسل العملية رسالة بأن تركيا تتصرف بثقة وأنها استعادت قوتها وستبقى في سوريا حتى توفير الأمن وهزيمة «داعش» ومنع الأكراد من إقامة دويلة كردية على حدودها!

ويبقى السؤال هو: هل تركيا التي تتصرف بثقة ربما يكون مبالغاً فيها، وتتعرض لهجمات إرهابية من «حزب العمال الكردستاني» و«داعش»، دخلت حقل الألغام السوري؟ وهل ستدفع الثمن كما دفعته دول أخرى؟