&حميد المنصوري

شكل العراق خطراً على أمن الخليج منذ سقوط الملكية الهاشمية بالعراق 1958، حيث طالبت الجمهورية العراقية تحت قيادة عبد الكريم قاسم بالكويت 1961 كجزء منها، كما أن العراق مثل بعض الدول العربية دعم ثورة ظُفار العُمانية، ولعل فترة نظام «البعث»العراقي وما بعد سقوطهِ حتى اليوم تعد من أخطر الفترات الحديثة والمعاصرة التي هددت وتهدد أمن الخليج. ونجد الفارق الأهم في وضع العراق الحالي بمعادلة أمن الخليج، بأنه أصبح تابعا لدولة ثيروقراطية غير عربية «إيران» التي لها طموح ضد الأمن والعروبة والموارد الطبيعية وسلامة المنظومة الاجتماعية للدول الخليجية العربية، خاصة والدول العربية عامة مثل سوريا ولبنان واليمن، حيث بلغ توسع النفوذ الإيراني الشيعي «المدعوم بقوة مواردهِ من النفط والغاز» إلى محاولات لخرق المجتمع الجزائري بنشر المذهب الشيعي.

لقد شهدت المنطقة سابقا بروز ثلاث قوى إقليمية في الخليج هي «العراق، إيران، السعودية» منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين وحتى تحرير الكويت، بينما بقيت الدول الخليجية الأخرى مشغولةً في بناء الدولة الحديثة والتنمية والتطوير مع مناصرة قضايا الأمة العربية، ويستثنى من ذلك الكويت حيث كانت لها أدوار دبلوماسية نشطة في النظام الإقليمي الخليجي والعربي. فقوة العراق وطموحهِ آنذاك لم تكن مردوعة بشكل قوي مع القوتين السعودية والإيرانية، عندما قادت به إلى احتلال الكويت 1990. وبقيت منطقة الخليج مرهونة بدور الولايات المتحدة ومستقبل القوى فيها منذ تحرير الكويت وحتى سقوط نظام البعث العراقي 2003، وهذا السقوط شكل تحولاً كبيراً لمصلحة إيران في العراق، حيث استطاعت عبر نفوذها الشيعي واحتضان المعارضة أن تسيطر على العراق.

وفي إطار مثلث القوى الإقليمية سقط العراق، وأصبح بكل سياساتهِ الداخلية والخارجية ومواردهِ وأسواقهِ ومنابرهِ الدينية تابعاً لإيران، وأصبح الفساد المالي والسياسي بالعراق أحد نتائج هذه التبعية. وبات هذا الوضع خطراً مخيماً على أمن الخليج، حيث هناك محاولات للتمدد الشيعي وخاصة في الجارة الكويت، وأيضا في البحرين، إلى جانب وجود مخطط استراتيجي إيراني لتطويق منطقة الخليج والجزيرة العربية من خلال إتباع اليمن تحت الحكم «الحوثي» لإيران، وهذا لم يتحقق على عكس حال العراق. ومن الواضح بأن منطقة الخليج مازال فيها مثلث للقوى، حيث إيران والسعودية والإمارات، فالإمارات تعد قوة سياسية واقتصادية وعسكرية ذات قدرات نوعية، وهذا الأمر يخلق قوة رادعة للصراع بين دول الخليج العربية ومحور إيران الذي يضم حكومة بغداد ومليشيات عراقية شيعية، و«حزب الله»، و«الحوثيين» في اليمن، ونظام بشار وأي تجمعات سياسية أو تشكل شيعي في دول المنطقة العربية يرتضي تبعية إيران وقم على حساب موطنهِ الأصلي ولو كان ذلك من خلال دفع زكاة الخمس.

حقيقةً، لن تعود العراق كقوة إقليمية خليجية تستطيع أن تغير المثلث الخليجي «الإمارات، السعودية، إيران» إلى مربع للقوى الخليجية، حتى بعد مرور خمسين عاما، لأسباب كثيرة منها، الخروج من المذهبية الشيعية التابعة إلى قم وطهران يعد أمراً صعباً للغاية، وذلك لكون نسبة كبيرة من المجتمع العراقي أصبحت مدمنة على الدين ورجالهِ ومنابرهِ، خاصةً مع إحياء البعد التاريخي له، والذي بدورهِ أصاب الآذان العراقية بالصمم لأي طرح عروبي عراقي علماني، وإن كان بلسان الشيعة العراقيين. وليس من المبالغة القول، بأن شريحة كبيرة من المجتمع العراقي الشيعي باتت تفسر الحوادث والتطورات السياسية في المنطقة وربما في العالم من منظور ديني مذهبي، يضاف إلى ذلك كون العراق يحظى بأهمية دينية شيعية بسبب المزارات المقدسة في كربلاء والنجف، والذي يخلق هوية ودور في المذهبية الشيعية، ويشكل نفط العراق مع نفط وغاز إيران حبرا لكتابة ورسم مخططات الطموح الشيعي في المنطقة الخليجية والعربية. ومن المعضلات الاجتماعية أيضاً وجود عداء وجرائم مذهبية حلت على أهل السنة من العراقيين، والذي بدوره سوف يجعل العراق مهددا في صدام مذهبي كما هو اليوم مع وجود حالة من الانتقام في المستقبل العراقي القريب.

ومن الأسباب المهمة التي تمنع العراق من العودة كقوة إقليمية، وجود كردستان العراق كقوة قومية وفاعلة، في بلاد الرافدين وفي الإطار الإقليمي. وفعالية كردستان العراق تعتبر محوراً لإضعاف حكومة بغداد من الدول المجاور لهُ، فعلى سبيل المثال إذا كان تنامي قوة حكومة بغداد يشكل خطراً محتملاً على الدول المجاورة فإنه يعد-كذلك- خطراً على حكومة أربيل أيضاً، وهنا فإن التعاون بين دول الجوار العراقي مع حكومة أربيل يخفف في احتمال أي تهديد من قبل حكومة بغداد كاستمرار تحالفها مع طهران في المستقبل، وهذا الأمر له أمثلة تاريخية، حيث دعم شاه إيران أكراد العراق لإضعاف وإجبار «البعث» العراقي على توقيع اتفاقية الجزائر 1975 حول شط العرب، التي تعد أحد أهم أسباب الحرب العراقية الإيرانية مع اندلاع الثورة الإسلامية- الشيعية.

هذا العرض يقود إلى أمرين، الأول على الدول العربية وخاصة الخليجية منها الدفع بقوة نحو تطوير علاقاتها مع العراق «حكومتي بغداد وأربيل» والقوى السياسية والثقافية فيها لإيجاد أرضية مشتركة سياسية وأمنية وتجارية، تخفف من مساعي السيطرة الإيرانية، التي خلقت تبعية سياسية وأمنية واقتصادية ودينية لها مع الفساد المالي، وفي هذا السياق فإن الكشف مؤخراً عن وجود محاولة لاغتيال السفير السعودي في بغداد تندرج تحت هدف إيراني يتمثل في محاولة إضعاف العلاقات العربية مع العراق. والأمر الثاني، نطرحهُ من دون تفضيل، لأنهُ يترك العراق لإيران، وهو التلميح بتجميد عضوية العراق في الجامعة العربية، كما فعل دور «البعث» العراقي في تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، ومغزى هذا الطرح أن يستوعب أهل العراق والنخبة السياسية والثقافية، بأن العراق الذي حمل العروبة ونادى بها يوما فقد حطمها باحتلال الكويت مرة، ومرة أخرى بخضوعهِ لنفوذ إيران المذهبي.