& الياس الديري

&ليس الإصلاح بالهدم والتخريب، ولا الوصول إلى الرئاسة بتعطيل الدولة والمؤسّسات وشل البلد.

والطامحون الحالمون المشتهون يستطيعون إلقاء نظرات، لا نظرة واحدة، على ماضي لبنان الرئاسي، والتأمُّل جيداً وحفظ الدرس والعبرة.
من حقِّ كل لبناني تنطبق عليه المواصفات والشروط الدستوريّة أن يعمل للوصول إلى المنصب الرئاسي، وبالطرق والأساليب المعمول بها. ومن دون عجقة مدى ثلاثين عاماً. ومن دون إعلان حروب وتخريب البلد أربع خمس مرات بأربعين خمسين أزمة.
والشرط الوحيد أن يكون مارونيّاً، فقط لا غير.
كان في إمكان صهر الجنرال ميشال عون الوزير جبران باسيل أن يلقي كل يوم دزينة من الخطب الطنّانة الرنّانة، وأن يهاجم المعرقلين والحسّاد، وأن يرشقهم بكل الصفات والتهم، ويبقى محافظاً على ماء الوجه. وعلى الأصول الدستورية. وعلى اللياقات البرلمانية. وعلى شخصه ونفسه ومنصبه كوزير خارجيَّة. وعلى تاريخ عمِّه ومكانته ومكانه ووزنه وحجمه الزعامي والسياسي.
بقليل من اللياقة التي لا تحتاج إلى عبقريّة. واللجوء إليها وإلى التهذيب يعطي لا يأخذ، ويفيد لا يضرّ. من هنا العتب الكبير على الصهر المدلَّل. كان في استطاعته أن يتحلَّى ببعض الآداب البسيطة غير الصعبة، وبلمسة تواضع مهضوم، مع قليل من المعرفة والابتعاد عن الابتذال، فلا يدعه يلازمه في كل مكان وكل كلام.
بـ"شخصيّة" كهذا، بطلّة كهذه مع ضحكة بعيدة عن الهستيريا، والانفعال، والخروج عن مألوف الآداب العامة، يتمكَّن من مخاطبة الناس بارتياح وقبول متبادل. مع صوت أهدأ. وبزبدٍ أخفّ. وبانفعال لا يخلع باب الحماقات مجتمعة، ليجلس في صدارتها.
ما هكذا يا جبران تورد الإبل. ما هكذا يتزحلقون على الطريق المؤدّي إلى الرئاسة. ولا هكذا تخدم طموحات عمّك المتواصلة، وبمواظبة نادرة منذ ست وثلاثين سنة تقريباً تكاد تضيّعها أنت بنزواتك. وحماساتك الأفلاطونيّة. وعنطزاتك المتزايدة، التي يجب أن تجلس معها وتتفاهما على التخفيف... فألسنة الناس لا ترحم. وأنت لا تقصِّر في إعطائهم الأسباب الموجبة.
مهما كان لحلفائكم من تأثير، وفاعلية، وموْنَة على الداخل وعند الخارج في طهران، فإن لعبة الأُمم، التي قد لا تكون قرأت عنها ما يكفي، لا ترحم في أحيان كثيرة الأحلام والطموحات والشهوات. بل هي، كما لا تعلم معاليك، تركِّز دائماً على المصالح. وباعتبارك من أصحاب المصالح والساعين دائماً إلى تكثيفها، يجدر بك أن تحسب حساب ما تجهل، وما لا تدري ما تخبّئه لعبة الأمم التي يقولون عنها "انها الأقدار".
كوريث مُحتمل لعرش بلد جمهوري، تناسبك العودة إلى التعقُّل والتروّي، وتطليق هذه الزنطرات والغطرسات والصبيانيّات، التي تسيء أنت إلى نفسك عَبْرها.
البعض يعتقد أن الزهو قضى على توازنك...