&&وليد أبي مرشد&&

هل استعاد الرئيس رجب طيب إردوغان دور تركيا الضائع على الجبهة السورية.. أم أن شعاره لا يزال «التجربة والخطأ»؟

سواء كان مبرر إردوغان العلني لاجتياح قواته الأراضي السورية هو محاربة الانفصاليين الأكراد، أو التصدي للإسلاميين «الداعشيين»، فإن قراره يصب حكمًا في خانة حفظ مقعد لتركيا على طاولة مفاوضات التسوية السياسية للنزاع السوري.

من هذا المنظور، قد يكون الرئيس التركي «استلحق» وضعه في مواجهة التحولات المتسارعة على الجبهة السورية، بعد أن فشل في إقناع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بتبني اقتراحه إقامة منطقة حظر جوي وشريط حدودي آمن على طول حدود بلاده مع سوريا. وبعد أن لمس مدى «اتكال» الولايات المتحدة على «قوات حماية الشعب» الكردية في محاربة «داعش» في سوريا، أصبح التدخل العسكري المباشر في سوريا فرصة إردوغان الأخيرة لضمان موقع لتركيا على طاولة التسوية السياسية المرتقبة للنزاع.

وغير خافٍ أن عودة الاتصالات الأميركية - الروسية حول الشأن السوري، خلال الأسبوع الماضي، يحفز الرئيس إردوغان على التعجيل بنقل موقع تركيا من مجرد لاعب إقليمي على الساحة السورية العسكرية إلى طرف أساسي في نزاع يتخطى حدود سوريا الجغرافية.

على هذا الصعيد، يبدو أن الرئيس إردوغان اختار التوقيت المناسب لاتخاذ قرار التدخل المباشر في سوريا، كون طرفي النزاع الأساسيين، أي فصائل المعارضة وقوات النظام، منهكين من حرب أهلية استنزفتهما على مدى السنوات الخمس الماضية، مما فتح الباب لتحولها - كما الحرب الأهلية اللبنانية قبلها - إلى حرب الآخرين على أرض سوريا.

إلا أن التطور اللافت في هذه الحرب كان تحولها في الأشهر القليلة الماضية من حرب للآخرين «بالوكالة»، إلى حرب «بالأصالة» تشهد تدخل «الآخرين» المباشر في العمليات العسكرية. وإردوغان الخارج مرهقًا من محاولة انقلاب محبطة لا يحتمل أن يكون «آخر الآخرين» في سباق التدخل المباشر في سوريا، فتصديه للانفصاليين الأكراد يعزز شعبيته في أوساط القوميين الطورانيين، وتدخله العسكري خارج حدود بلاده يعيد الاعتبار لسمعة جيشه التي هزتها محاولة الانقلاب الأخيرة.

سياسة «المطاردة الساخنة» ليست جديدة على الرئيس إردوغان، فقد سبق أن مارسها في ملاحقة الانفصاليين الأكراد في العراق، وتوصل إلى حمل بغداد على تقديم تنازل قيّم لتركيا. فبموجب اتفاقيات عراقية - تركية وقعت بين عامي 1995 و1997، منح الجيش التركي حق الاحتفاظ بقواعد عسكرية في محافظة دهوك العراقية، تبعد 20 إلى 30 كيلومترًا عن الحدود المشتركة للبلدين.. وذلك بداعي التصدي للإرهاب.

إذن، للتوغل العسكري التركي في أراضي دول الجوار «سابقة» قد تتحول إلى «قاعدة» في سجلات المواجهة التركية المتواصلة مع الانفصاليين الأكراد. وإذا كانت أنقرة تعتبر أنها لا تطمئن إلى صيانة أمنها من تهديدات الانفصاليين الأكراد إلا بنشر قواتها المسلحة داخل الأراضي العراقية، فكيف سيكون موقفها من أكراد سوريا، وهم أشد خطرًا عليها لأكثر من سبب وسبب:

- جغرافيًا، تستوجب «جبهة» تركيا مع أكراد سوريا ترتيبات عسكرية أكثر تعقيدًا، إذ يزيد طول حدود سوريا مع تركيا مرتين ونصف مرة تقريبًا عن حدودها مع العراق (822 كيلومترًا مقابل 331).

- لوجيستيًا، تعتبر الفصائل الكردية المقاتلة في منطقة جرابلس مزودة بأسلحة حديثة، وتحظى بتدريب أميركي جيد، كما تتمتع بمعنويات عالية بعد الانتصارات التي حققتها على «داعش»، بغطاء من الطيران الحربي الأميركي.

ويبقى العامل السياسي العنوان الغامض قي استراتيجية تركيا في سوريا، بدءًا باتضاح موقف حليفها الأطلسي، الولايات المتحدة، من التعامل مع حلفائها الظرفيين في سوريا والعراق - أي الميليشيات الكردية - وانتهاء بموقف روسيا من الوجود العسكري التركي داخل الأراضي السورية.. هذا إذا لم يكن هذا «الازدحام» العسكري على أرض سوريا مقدمة لا لإعادة رسم خريطة سوريا فحسب، بل خريطة الشرق الأوسط بأكمله.

&