&سعيد الحمد&

أجل فكما أن هناك تطرفًا دينيًا فإن هناك تطرفًا لا دينيًا، فالتطرف ظاهرة في الفكر وفي السلوك وليست حكرًا على الدين فقط.

والجدل المثار بقوة في أوروبا حول «البوركيني وهو لباس البحر الاسلامي كما اطلقوا عليه اعلاميًا»& هذا الجدل الحاد يكشف في احد ملامح تجلياته عن ظاهرة التطرف اللاديني الذي استغرق فيه البعض هناك نتيجة ظاهرة «الاسلاموفوبيا» التي تصاعدت في الفترة الأخيرة في اوروبا ما اطلق للمتطرفين اليمينيين كما يطلقون عليهم لابراز تطرفهم اللاديني والمتعصب ضد كل ما هو اسلامي.

هذه الضجة هي جزء من اللاهوت الأوروبي القديم تعيد انتاج نفسها في قرارات أشبه ما تكون بردات الفعل على ما شهدته فرنسا من حوادث تطرف لا يمكن ان يقبل بها الاسلام ولا المسلمون وان رفع مرتكبوها يافطات& «الاسلام»& والاسلام منهم براء.

المتطرفون اللادينيون في اوروبا ثارت لديهم نزعة تطرفهم فكان قرار بلدية كان هو الذي نزع فتيل قنبلة الجدل العبثي حول& «البوركيني» الذي لا يعدو في النهاية إلاّ ان يكون مجرد لباس وليس رمزًا دينيًا على الاطلاق ولا يستحق قرارا بلديًا بمنعه.

القضاء الفرنسي مستندًا الى القانون علق القرار لكن الضجة ارتفعت موجاتها حتى وصلت العواصم الأوروبية الاخرى، ووحده «البوركيني» كان الرابح من حيث أرادوا القضاء عليه، وهو ما حدثتنا عنه المصممة الاسترالية المسلمة التي ابتكرت البوركيني.

قالت «الجدل الدائر حول البوركيني أدى الى زيادة كبيرة في مبيعاته، والزيادة بلغت ثلاثة اضعاف.

ألم نقل في مثلنا الشعبي البحريني «موت لك فرج لي» وهو ما حدث للشركة المنتجة وللمصممة التي لم تتوقع ان ينجح ابتكارها بسبب الهجوم عليه ومنعه!!

بين اللاهوت «الديني القديم» وبين الناسوت «الدنيوي» صراع أزلي موغل في القدم، فهل تصور احد ممن خاض هذا الصراع يومًا أن تصل شرارة الصراع الى لباس البحر او البوركيني الذي طقت شهرته الآفاق، وهو الفائز الوحيد في الحرب التي بدأتها بلديات فرنسا التي يبدو انها تغوص حتى الأذنين في التطرف اللاديني.

صراع أوروبا القديم مع سلطة كهنوت الكنسية حول التعليم والمعرفة وحول الحكم السياسي هناك له معنىً وله ابعاد وله اسباب مفهومة، انهزم فيها كهنوت الكنسية وتراجع الى الوراء حتى كاد أن يختفي، لكن هذا الصراع المفتعل مع البوركيني كيف نفهمه سوى في مفهوم التطرف هناك عند البعض في اوروبا الذي ثارت فيه براكين التطرف على خلفية «الاسلاموفوبيا» حتى وصل الموضوع الى البوركيني لتشغل الناس والاعلام الأوروبي.

دائما وفي اي صراع فتش عن المستفيد في اشعال ناره حتى ولو كان محور الصراع البوركيني، ولاشك ان اطرافًا دخلت على خط الموضوع والجدل ونفحت فيه سلبًا او ايجابًا كانت لها مصالح مختلفة وربما متضاربة.

نابليون بونابرت قال يومًا لاحد كبار قادته العسكريين وقد وقف امامه محتارًا في تفسير قضية ما& «فتش عن الجثة» وبالقطع واليقين البوركيني ليس هو «الجثة» التي نبحث عنها في صراع عنوانه البوركيني، لكن تفاصيله الأهم والاخطر هي في ظاهره التطرف والتطرف المضاد.

والهجوم الشديد الذي شغل اوروبا هو صورة من صور التطرف المضاد والذي أخذ موقفًا شديد التعصب ضد لباسٍ شخصي، في حين ان اوروبا نفسها كانت تفخر وتتفاخر بالحرية الشخصية وفي مقدمتها حرية اللباس الشخصي فيها، فماذا جرى ليكون «لباس» بعينه ضجة تطرفها المضاد، وهل يستحق «لباس» ما كل هذه الضجة؟. أم انه ينبغي علينا ان نفتش عن الجثة كما اوصى نابليون.