علي سعد الموسى& &&

&تضج الساحة المحلية، وأؤكد هنا على "المحلية" في الأيام الأربعة الأخيرة، للتنديد والتشكيك في مآرب وأهداف المؤتمر الذي عقده بعض علماء ومدارس ومذاهب الإسلام في العاصمة الشيشانية غروزني، وبالخصوص لأنه استثنى لحمة الخطاب الديني السعودي ومؤسساته من الدعوة، ثم انتهى في توصياته بقنبلة لم تعترف سوى بـ"بعض الحنابلة" كمكوّن من مكونات أهل السنة والجماعة.

سأكتب سعيداً ومرحباً محتفياً لأن بيان هيئة كبار علمائنا الأفاضل بالأمس، وفي سابقة ملفتة، قد دعا "المفكر والمثقف" وللمرة الأولى، إلى الاصطفاف بجوار "العالم" للنقاش والمداولة في هذه القضية بالتحديد، ولهذا سأقول بصوت مرتفع إن هذا الاستثناء من دعوة الخطاب الديني السعودي لا بد أن يواجه بنقد داخلي وبشجاعة علمية حتى لا نجد أنفسنا على الهامش في قلب الساحة التي اعتدنا لها قيادة وريادة. رمي التهم على روسيا أو حتى البرازيل أو سحبها على أهل "الأهواء" والانحرافات العقدية لن يأخذنا إلى شيء من معالم الطريق، بل ربما إلى العكس، فهؤلاء استثنونا من الدعوة لهذا المؤتمر لأن خطابنا المحلي غارق في التصنيف والإقصاء ونرجسي فوقي لا يرى من سواد أهل السنة العريض إلا ساكني ذلك الحزام الضيق المحصور في كيلومترات معدودة مربعة وكل ما عداه ليس إلا مخالفا وصاحب هوى مشكوكا في معتقده ومنهجه.

وهنا سأتساءل: هل سينهض ولو "نفر" من عقلاء خطابنا الدعوي من بين ركام الرفض والتنديد والشكوك في هذا المؤتمر كي يقودونا إلى نقاش بنّاء موجب يكون محوره هذا السؤال: لماذا استثنونا ولماذا لم توجه إلينا الدعوة؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال سأطرح هنا ما تسمح به المساحة. أولاً: هل نحن جادون بالفعل في تقييم ردة الفعل ضد خطابنا إلى الحد الذي جعلنا في ذيل مقياس القبول والترحيب والشعبوية في الشيشان والبوسنة وأبخازيا وأفغانستان، بل حتى داخل المحيط السني الخالص في العراق وسورية عطفاً على الأدبيات الهائلة التي رمت بعواقب كل ما حدث ويحدث في تلك المجتمعات المسلمة على خطاب السلفية المحلية؟ هل استطعنا أن ننجح في القضاء على أجنحة التشدد والتطرف التي شوهت بسوادها بياض ما نظنه في "شحم" الخطاب السلفي، وهل سنعترف، ولو أمام أنفسنا، بأن مثل شواهد هذا الخطاب المتزمت قد وصلت حتى إلى تقسيم مجتمعنا الداخلي الخالص، ولك من المثال أن تسمع ولو مجرد أقرب خطبة جمعة أو تحضر ندوة لفرد واحد من أباطرة الأتباع والشعبية الملايينية. سآخذكم، ثانياً، إلى مقال الصديق، زياد الدريس في الزميلة الحياة، وفيه إشارة واضحة صريحة إلى أن الانتقاء والإقصاء و"التبعيض" الذي نعيبه على هذا المؤتمر الأخير لم يبدأ من "غروزني"، بل منذ سنوات خلت حين استضافت إحدى جامعاتنا مؤتمرا عن "السلفية"، ثم أسبغت عليه مفردة "العالمي" رغم أنه، وللتاريخ، لم يجلب متحدثا من عشرات الفرق والمذاهب الإسلامية كي نسمع منه رأيا مختلفا، وللتاريخ أيضا كررت هذا المنهج جامعات محلية أخرى، ولا زالت أوراق التوصيات موجودة وفيها ذات الثقوب ودوائر تضييق الانتساب لأهل السنة والجماعة التي نعيبها اليوم على مؤتمر "غروزني". توزيع التهم قد يشفي بعض غليلنا بسبب تجاهل دعوتنا، لكنه لن يشرح لنا جوهر الأسباب. النظرية تقول: الرفض الأعمى عدو الاستبصار.. انتهت المساحة.

&