&فيصل العساف&

&ترى، ما هو التحليل الأنسب لو أن رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ - مثلا ً- شارك الإخوان المسلمين في مؤتمر «شكراً تركيا» الذي عقد في إسطنبول وأقرّ نتائجه؟! بالطبع لا يمكن فهم ذلك إلا في إطار التبدل في الموقف السياسي السعودي الرسمي.

لذلك جاءت مشاركة شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب في مؤتمر غروزني «من هم أهل السنة والجماعة» بمظلته وانتقائيته ومخرجاته، بمثابة الطعنة من الخلف في ظهر التقارب السعودي - المصري المشهود على الصعيدين الشعبي والسياسي بعد ثورة 30 يونيو. إن أهم ما يميز هذه المرحلة تاريخياً هو حال الفوضى التي تنهش جسد الأمة بلا هوادة لأكثر من خمس سنوات، هو عمر ثورات العرب، لذلك فإن توحيد الصفوف في مقابل الأخطار المحدقة والمحيطة هو الحد الذي يفصل بين الرغبة في ركوب سفينة المواجهة والرغبة في حجز مقعد مؤكد على كل السفن، لأن «صاحب بالين كذَّاب» ولأن التوقيت لا يحتمل التردد. على ذكر الإخوان المسلمين الذين كان لهم موقف نقدي لمخرجات مؤتمر غروزني، التي «شرعنت» لعصر جديد من الاصطفاف الديني السياسي، وبصمها على تجزئة المجزأ بإخراج السلفية من بوتقة أهل السنة والجماعة. مواقف «منتسبي الإخوان» وأبنائهم بالتبني من المؤتمر لا تخرج في حقيقتها عن أمرين، الأول: عدم دعوتهم، إضافة إلى أن الاحتفاء الرسمي والشعبي بعدوهم اللدود شيخ الأزهر، كان لافتاً، ما يعني إخراجهم كحزب من دائرة حسابات المؤتمرين، ومن خلفهم «الراعي» الروسي الرسمي. بالمناسبة، أية حجج يتم سوقها في سبيل تبرير مشاركة ممثلي مصر، بما في ذلك العمل على تطبيق رؤية الرئيس السيسي نحو إسلام وسطي، لا يمكن قبولها، بالنظر إلى الحالة السياسية الراهنة التي تشهدها المنطقة، ولا تقبل بالنسبة إلى السعودية - الظهير الأمين على المصريين - مزيداً من التراخي في المواقف.

الأمر الثاني: يحاول الإخوان اللعب على الوتر السياسي مع السعودية، ومغازلتها في هذا التوقيت الذي قد تشعر فيه بالضعف - بحسب وجهة النظر الإخوانية - خصوصاً وهي، أي السعودية، تواجه تحديات سياسية إقليمية وعالمية كبيرة، يأتي اجتماع غروزني واحداً من هذه الضغوطات التي تقدم قرابين ضرب السعودية من القلب بإعلان التبرؤ في الشكل أو المضمون من «الوهابية» بوصفها المسؤولة عن الإرهاب! في الحقيقة، مشكلة حزب الإخوان المسلمين الأزلية هي «الأنا» المتضخمة التي يعاني منتسبوه منها، ينظرون إلى حزبهم كحكومة، لذلك دائماً ما يلعبون الأدوار التي تفوق حجمهم، ويكون مؤداها الاجتماعي والسياسي خطراً على الدولة التي لا تتعامل مع تلبيسهم على الناس بضربات استباقية تقطع دابر محاولات انتهاز الفرص.

الإخوان المسلمين اليوم يطرحون أنفسهم بديلاً عن مصر للسعودية، تماماً كما طرحت فروخهم في السابق نفسها بديلاً عن القوات الدولية المشتركة، إبان احتلال العراق للكويت! إنهم بذلك يُبدون مزيداً من الحماقة السياسية، عندما لا يستوعبون أنهم ليسوا سوى ورقات ضغط يستخدمها البعض في حينه لتحقيق أهدافه فقط، وتشير الإرهاصات الآنية إلى احتراقها، بتصريحات التقارب التركي مع السوريين والمصريين.

بالعودة إلى السلفية التي وبحسب المؤتمرين في غروزني ليست من أهل السنة، ولو قدمت إلى ذلك شهادة انتسابها عبر الفحص النووي السني بإرثه الكبير والممتد من العلماء والفقهاء السالفين والحاليين. السلفية بحاجة ملحّة إلى صياغة خطابها «السياسي» من جديد، تماشياً مع متطلبات الواقع التي لا تحتمل فتح مزيد من الجبهات، ولعل استشعار العهد المكي بتداعياته الظرفية، أو ما تلاه من المواقف السياسية للحاكم الديني والسياسي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سواءً حلف المدينة أم درس صلح الحديبية. كل ذلك، مما يضع الحمل على المؤسسة الدينية في السعودية ممثلة بهيئة كبار العلماء، بصفتها الأكبر نفوذاً وتأثيراً قياساً بحجم السعودية عالمياً، ويجعل من واجبها الاضطلاع بمسؤولياتها في شكل أكبر من ناحية التأثير في الأحداث العالمية عبر مواقف تترجم فعلياً في صالح الإسلام، وتتسق من الناحية السياسة مع الجهد الذي تبذله السعودية.

ختاماً، كنَّا في طائفية السنة والشيعة، لكن غروزني أثبتت أن للطائفية جذوراً ممتدة تضرب أطنابها في الهيكل السني المنهك من الأساس، حتى قبل المؤتمر الذي أسهم بذلك في شكل مباشر، بإخراجه للبعض من خانة «الزمالة» السنيّة، إلى حيث يلقي الاصطفاف السياسي!

&

&