&حمد الماجد&

لو كنت متعاطفا «عقلانيا» مع هذا المؤتمر ومتحمسا لإقصاء السلفيين والحنابلة المتشددين والقذف بهم خارج أسوار «أهل السنة والجماعة»، لقلت للمنظمين ما هكذا تؤكل كتف الإقصائية، وليس من الدهاء أن تكون المقررات بهذه الصراحة الكاشفة للمستور الفاضحة للمكنون المثيرة للعواصف الاحتجاجية الشديدة، ولكان الدهاء في تنظيمه يقتضي أن يكون موقع المؤتمر بعيدا عن الشبهات الروسية وحليفها الشيشاني الهزيل رمضان قديروف، لكن هو الناموس الإلهي (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).

أما وقد وقعت فأس المؤتمر الإقصائية على رأس أمة إسلامية بالأصل مفتتة ممزقة والشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح، فهي فرصة لأخذ الدروس والعبر مما حدث في كواليس هذا المؤتمر البائس بوضع النقاط على الحروف وبكل شفافية، مع إدراكي جيدا غايات المؤتمر المبطنة التي تتجاوز خلافا عقديا قديما بعثه من مرقده من وجه المؤتمر ودعمه لغايات سياسية بعيدة تهدف في النهاية إلى الإضرار بدولة عربية كبرى في المنطقة.

ليس من لازم اتباع مذهب معين والاعتقاد جازما بصحته أن تشن حربا كلامية ضد المذاهب الأخرى، كل العلماء السنة المعتبرين ينهلون من معين النصوص الشرعية، لكن قد تختلف أفهامهم لهذه النصوص ودلالاتها، فالاجتهاد مقبول في مسائل الفقه وهو أيضا مقبول في الاجتهاد في بعض مسائل العقائد مثل الأسماء والصفات التي اختلف حولها علماء كبار مثل ابن حجر والنووي، ومن اعتقد أنه على مذهب السنة في مسألة عقدية معينة سواء كان سلفيًا أو أشعريًا أو ماتريديًا فمن حقه أن يخطئ غيره ويعتبره خالف مذهب أهل السنة في هذه المسألة أو المسائل تحديدًا، لكن ليس من حقه أن يخرجه من تسمية السنة، وهذا للأسف ما خرج به مؤتمر غروزني وهو أيضا ما يؤمن به غلاة السلفية، الفرق أن غلاة السلفية لهم أقوال إقصائية متناثرة هنا وهناك، ومؤتمر غروزني بارك الإقصائية بعمل منظم وبحضور مؤسسات وشخصيات علمية من الوزن الثقيل.

يقول الشيخ سليمان الماجد القاضي السابق في محكمة الرياض وعضو مجلس الشورى في كتابه القيم «منهجية التعامل مع المخالفين»: «من الخطأ تحويل كثير من الاجتهاديات إلى قطعيات حتى في أبواب العقيدة، وابن تيمية عذر المخالفين من الأشاعرة بل الجهمية وغلاة الصوفية وأثنى عليهم ما لا تجده عند أكثر الناس تسامحًا من أتباع الإمام أحمد». وقد بين الشيخ سليمان في كتابه خطر احتكار الحقيقة التي تجعل أهل المذهب الواحد يدعون أن كل ما يقوله علماؤهم ورموزهم حق لا مرية فيه.

وهذا رمز السلفية شيخ الإسلام ابن تيمية يستدرك على الإمام أبي المعالي الجويني، رحمهما الله، في تسمية الجويني أصحابه «أهل الحق»، ورأى ابن تيمية أن هذا لا يجوز أن تدعيه أي طائفة حتى أهل الحديث (السلفيون)، بما ينسف السائد عند كثير من أتباع الإمام أحمد في مسألة الأسماء والصفات.

وليس ثمة وقت يفرض على العلماء والمؤسسات الشرعية بحث مسألة الانتساب إلى الفرق وليس الإسلام مثل هذه الفترة التي تشظت فيها أمتنا العربية والإسلامية عقائديا، كل مذهب بما لديهم فرحون، وقد تعززت في الآونة الأخيرة الدعوة إلى التسمي بالإسلام فقط (هو سماكم المسلمين) وأن الانتساب إليه كاف عن التسميات المحدثة: السنة والجماعة والسلفية والأشعرية والماتريدية، لأن كل دليل يعرضه هؤلاء، كما يقول الشيخ سليمان الماجد، يصلح أن يكون أصلا من أصول الاستدلال منها الصواب ومنها الخطأ ومنها الحق ومنها الباطل.

&&