فهد محمد بن جمعة&

بدون أي شك السعودية قائدة سوق النفط بقوة مؤثرة مقارنة بالمنتجين الاخرين من الاوبك ومن خارجها، حيث انها تستطيع بمفردها إحداث تغيير حاد في اتجاه اسعار النفط صعودا او هبوطا، كما حدث تاريخيا. وبمجرد تصريح من وزير الطاقة السعودي، تتفاعل الاسعار العالمية صعودا او هبوطا وكأن بركانا اجتاح الاسواق الفورية والمستقبلية لتعيد حساباتها وتوقعاتها. انها الميزة النسبية لإنتاج البرميل الواحد (8-9 دولارات) مقارنة بأي تكلفة منتجِ آخر في العالم، بطاقة انتاجية تتجاوز 12 مليون برميل يوميا وقابلة للتوسع واحتياطي يتجاوز 161 مليار برميل بالإضافة الى الاحتياطيات المحتملة من النفط التقليدي وغير التقليدي.&

لكن هناك متغيرات في اسواق النفط تزيد من مخاطره المستقبلية. فقد حدثت ذروة انتاج النفط "Peak Oil" في الولايات الأمريكية، كما توقعها “Marion King Hubbert” في 1956م بوصول انتاجها الى ذروته (9.637 ملايين برميل يوميا) في 1970م، ثم بدأ ينحدر منها (منحنى الجرس) حتى وصل الى قاعته عند 5 ملايين برميل يوميا او بانخفاض (-48%) في 2008م. لكن جاءت ثورة النفط الصخري وتطور تقنياتها في 2011م، لتساهم بزيادة انتاجها بمقدار 4.6 ملايين الى 9.6 ملايين برميل يوميا (EIA، 2016م)، والذي تراجع مع تدهور الاسعار الى 8.488 ملايين برميل يوميا حاليا. لاحظ ان النفط الامريكي التقليدي لم يتوقف بل استمر عند معدل منخفض ومكلف حتى وقتنا الحاضر.&

وقد سبق وانتقد معهد كامبريدج (CERA, 2006م) تحليلات نضوب النفط بادعائها، ان احتياطيات النفط العالمية لا تتجاوز 1.2 تريليون برميل، بينما يوجد 3.74 تريليونات برميل من النفط متاحة. لذا فهم البعض كلمة "ناضب" على انها جفاف احتياطيات النفط العالمية، وهذا طبعا غير صحيح لارتباط الانتاج بارتفاع التكلفة الاقتصادية الحدية التي يتوقف عندها قبل جفافه، بعد ان اصبح تسويقه تجاريا أمرا شبه مستحيل ولا يستطيع المستخدمون بيع منتجاتهم من النفط الى المستهلكين.&

أما ذروة الطلب“Peak Oil Demand” التي بدأت تتبلور مع استمرار ضعف معدل نمو الطلب بمتوسط 1% في السنوات الاخيرة، ورغم الانخفاض الحاد للأسعار العالمية 50% في 2015م، إلا ان معدل نمو الطلب لم يتجاوز 1.5% ومن المتوقع ان يتسمر هذا النمو في عامي 2016م و 2017م (وكالة الطاقة الدولية). فانه في حالة تقلص المعروض واستغلال الحقول ذات التكاليف المرتفعة فان الاسعار لا بد ان ترتفع بشكل حاد الى درجة عزوف بعض المستهلكين عن استخدامه على المدى الطويل، مستبدلين ذلك برفع كفاءة استخدامه واستغلال الطاقة البديلة من نظيفة ومتجددة بمعدلات سريعة لا رجعة عنها لنقول للنفط مكانك تحت الارض.

&

ان الذي يحدد انتاج النفط نوعيته (خفيف، ثقيل..) وتكلفته الاقتصادية من الحقول المتنوعة بناء على معدل الخصم (Discount Rate) الذي يقارن قيمته الحالية مع المستقبلية، على سبيل المثال من الافضل بيع النفط الخفيف او مزجه مع الثقيل (Blend) لتعظيم القيمة السوقية حاليا، وفي المستقبل سترتفع اسعار النفط الثقيل مع تقلص كميات النفط الخفيف والمتوسط وبهذا يتم تعظيم كلتا القيمتين الاقتصادية في الحاضر والمستقبل. لكن لا نفترض ان العالم سيصبح مكتوف اليدين ويستسلم للأسعار السائدة على المدى الطويل ولن يتراجع طلبه لعدم مرونته.&&

ان شركة ارامكو متمثلة في مجلسها الاعلى برئاسة الأمير محمد بن سلمان تواجه عدم اليقين بحزم على المدى الطويل وتدرك ما تم الحديث عنه، لذا ابدعت استراتيجيا وبكل ذكاء وفي الوقت الذي مازالت ارامكو جاذبة للاستثمارات، بطرح 5% من اسهمها للاكتتاب العام محليا وعالميا، لتجنب احتمالية الوقوع في مصيدة (ذروة التكاليف الاقتصادية) في نهاية العقدين القادمين. انها خطوه متقدمة تجسدها الحوكمة (الافصاح والشفافية) وتوسيع اسواقها بشكل مستدام بمشاركة المستهلكين انفسهم في بلدانهم، لاستمرار منافستها وتعظيم استهلاك نفطها. انها فعلا خطوة نحو تعظيم الارباح حاليا مع بدء الاكتتاب وتعظيمها فيما بعده.