هاني الظاهري

«استقبال مهين» هو أكثر التعابير ملاءمة لوصف الاستقبال الرسمي الذي حظي به الرئيس الأمريكي باراك أوباما عند هبوط طائرته في مطار مدينة هانغتشو قبل أيام لحضور قمة العشرين؛ ففي خرق واضح لكل قواعد البروتوكول تجاهل الصينيون توفير سلم لطائرة ضيفهم الأمريكي وتجاهلوا أيضاً استقباله على السجاد الأحمر كبقية زعماء الدول المدعوين للقمة، وهو الأمر الذي أجبره على النزول من الطائرة عبر سلم الطوارئ، فيما انشغل الوفد المرافق له بنقاش حاد مع مسؤولين صينيين انتهى بعبارة صينية صادمة هي: «هذه دولتنا وهذا مطارنا».

حاول أوباما بعد ذلك التقليل من شأن الحدث معتبراً أنه ناتج عن ارتباك صيني يعود لكبر الوفد الأمريكي، وهو ذات المبرر الذي حاولت تمريره بعض الصحف في اليوم التالي للاستقبال، لكن الصيغة التي استخدمها الرئيس الأمريكي لم تكن بريئة تماماً، إذ أكد أن كبر الوفد «مخيف» لأي دولة تستضيفه، وهذه رسالة مبطنة تفوح منها رائحة الغطرسة الأمريكية المعتادة ربما لحفظ ما تبقى من كبرياء واشنطن الجريح.

معظم ما بثته وسائل الإعلام عن الحادثة توقف عند إيضاح تفاصيل ما حدث والتعليق عليه من ناحية بروتوكولية، لكن أحداً لم يجب على السؤال الأهم «لماذا فعلت الصين ذلك؟» إلا بتلميحات متناثرة حول تضييق الخناق أمريكيا في الفترة الأخيرة على الواردات الصينية للولايات المتحدة، لكن هل ذلك سبب مقنع يمكن أن يدفع بكين لاتخاذ موقف كهذا؟ بالطبع لا، فالصينيون أذكى بكثير في الشأن الاقتصادي، ولو كان هذا السبب الحقيقي لحاولوا الاحتفاء بالرئيس الأمريكي بشكل مبالغ فيه ومن ثم التفاوض معه لحل الإشكالية، وهو ما يعني أن الغضب الصيني المشتعل تحت الرماد سببه أمر أكبر ويتعلق بالسيادة التي لا يمكن قبول المساس بها.

قبل نحو 48 ساعة من وصول طائرة أوباما إلى الصين بثت وكالة رويترز للأنباء خبراً عن مقابلة له قالت إنها ستذاع على محطة CNN يوم الأحد أي في نفس يوم انعقاد القمة «لكن مساء بتوقيت الصين»، وتضمن خبر رويترز ما نصه «إن أوباما يطالب الصين بالتحلي بالمسؤولية والتوقف عن استعراض عضلاتها في النزاعات مع الدول الأصغر بشأن قضايا مثل السيادة في بحر الصين الجنوبي، وأضاف في مقتطفات أذاعتها المحطة: إذا وقّعت معاهدة تدعو للتحكيم الدولي بشأن القضايا البحرية، فإن كونك أكبر من الفلبين أو فيتنام أو دول أخرى ليس مبرراً لأن تستعرض عضلاتك، عليك الالتزام بالقانون الدولي».

بالطبع مثل هذا التصريح تعتبره بكين مساساً بسيادتها وتهديدا صريحاً لها، خصوصا أنها لا تعترف بالقرار الدولي الذي أصدرته محكمة تابعة للأمم المتحدة في يوليو الماضي بعدم أحقيتها في مساحات كبيرة من بحر الصين، والواضح أنها بناء على ذلك قررت أن تلقن أوباما درساً صينياً رمزيا في معنى السيادة وامتيازاتها.