أمير طاهري

لا أذكر أنه كان هناك وقت مضى كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية تدور حول الأمل في المقام الأول. ومع ذلك، فإنني أعتقد أنه في انتخابات عامي 2008 و2012 الرئاسيتين كان الأمر برمته يدور حول الاستياء.

فلقد فاز الرئيس باراك أوباما بفضل التحالف، أو ما نسميه الآن «قوس الاستياء»، والمبني على أسس عرقية، ودينية، وإثنية، وآيديولوجية من الأقليات الأميركية التي تشكل فيما بينها 32 في المائة من الناخبين.

وتأمل هيلاري كلينتون، الحامل الحالي للواء الحزب الديمقراطي، في أن التحالف نفسه المتكون من الأميركيين الأفارقة، والأميركيين من أصل لاتيني، واليهود، والمسلمين، والهنود، والمثليين، والمتشددين بيئًيا، والاشتراكيين السريين، سوف يحملها على الأكتاف ويصل بها إلى أعتاب البيت الأبيض.

ولكن في هذه المرة، يبدو أن «قوس الاستياء» لأوباما لديه صورة مماثلة ومتمثلة في «قوس الاستياء» الخاص بدونالد ترامب.

وهذا القوس المنافس يتألف من مجموعة مختلفة من الأقليات، وخصوًصا الرجال البيض، والمسيحيين الإنجيليين، والمتحمسين للأسلحة، والطبقات العاملة الكادحة، والأناس الذين تعتبرهم النخب اليسارية بأنهم من ذوي التعليم الضعيف، وليس من يصفونهم بالمتسخين.. (يقول ترامب: «إنني أحب الفقراء المتعلمين»).

ولتمييز «قوس الاستياء» الخاص بدونالد ترامب عن ذلك الخاص بباراك أوباما وهيلاري كلينتون، فإن ترامب يحتاج إلى تحديد «الآخرين» الذين يعتبرون أهداف الكراهية من واقع قاعدته الانتخابية.

ولقد تخير طائفتين؛ المسلمين واللاتينيين، حيث قال إنه سوف يحظر على المسلمين الدخول إلى الولايات المتحدة حتى إشعار آخر. وتعهد بالنسبة للطائفة الثانية ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك. وهناك كثير من أوجه الشبه بين أوباما وترامب، فكلاهما من الغرباء الذين يحومون على هامش النخب. وهناك كثير من أوجه الشبه بين أوباما وترامب، فكلاهما من الغرباء الذين يحومون على هامش النخب الأميركية بفضل التعليم باهظ الثمن كما في حالة أوباما، والثروة العائلية كما في حالة ترامب. ودخل كل
منهما إلى السباق الانتخابي بخبرات سياسية ضئيلة أو منعدمة، وفاز كل منهما بترشيح حزبه في مواجهة الاحتمالات الرهيبة بالخسارة.

وفي الأثناء ذاتها، لا يمكن وصف أي منهما من واقع تحالف «قوس الاستياء» الخاص به. وأذكر في عام 2008 حديًثا جمعني بالقس جيسي جاكسون في إيفيان بفرنسا عندما كان يوجه الانتقادات لأولئك الذين قالوا إن أوباما ليس أسود بما فيه الكفاية. ولقد قال كثيرون أيًضا إن أوباما «ليس فقيًرا بدرجة كافية» أو «اشتراكًيا بدرجة كافية» أو «مؤيًدا لإسرائيل بدرجة كافية» أو «مسلًما بدرجة كافية». ولقد تجاهل التحالف الموالي له كل تلك الترهات وهذه المراوغات.

أما بالنسبة إلى ترامب، فهو بكل تأكيد «ليس مسيحًيا بدرجة كافية»، لأنه طلق ثلاث مرات ويتفاخر بأنه زير نساء من الطراز الأول، ذلك الذي يزعم أن الإنجيل هو كتابه المقدس ولكنه يتلعثم تلعثم الأطفال عند اقتباس كلمة أو آية من آيات الإنجيل.

وليس ترامب بأي حال ضحية من ضحايا العولمة الكادحين، حيث يعتبر قطًبا من أقطاب الأحياء الفاخرة في مانهاتن، أولئك الذين يتنقلون بين مختلف موجات العولمة. كذلك، وعلى الرغم من مهارته في التفاخر والتباهي فإن دونالد ترامب ليس غنًيا بما فيه الكفاية ليجسد زمن الدورادو المتراجع باستمرار.

والأسوأ من ذلك، ليس ترامب جمهورًيا بدرجة كافية، حيث انضم إلى صفوف الحزب قبل بضعة أشهر من الانتخابات التمهيدية.
ومع ذلك، تقول نسبة 78 في المائة ممن يصفون أنفسهم بالمسيحيين الإنجيليين إنهم سوف يمنحونه أصواتهم، وهي أعلى نسبة يحصل عليها أي مرشح جمهوري حتى الآن. ويصف جيري فولويل الابن، المتحدر من عائلة مسيحية عريقة، دونالد ترامب فيقول: «مبعوث الرب لقيادة أمتنا»! ووزير التعليم الأميركي الأسبق بيل بينيت، وهو من بين المفكرين الجمهوريين الذين أكن لهم كل تقدير واحترام، أعلن عن تأييده ترامب من دون ريبة أو شك.

ودعاوى ترامب المعادية للمسلمين ليست من الأمور المستغربة. وسواء كانوا على صواب أو على خطأ، فالمسلمون في الولايات المتحدة اليوم لا يتمتعون بصورة جيدة على الإطلاق. فبعد ظهورهم كأقلية ملحوظة في العقدين أو الثلاثة عقود الماضية، يسهل إقصاء المسلمين من السرد التاريخي والقومي الأميركي بكل سهولة.

ولكن الأمر يختلف مع هجمات ترامب على اللاتينيين؛ فالولايات المتحدة قد احتضنت العنصر اللاتيني منذ بداية تاريخها تقريًبا، أو منذ شراء لويزيانا في عام 1803 على أدنى تقدير. ونظًرا لكون أغلبيتهم من المسيحيين، فلا يمكن أو يسهل إقصاء اللاتينيين من المشهد الأميركي ووصمهم بـ«الدخلاء» بالسهولة نفسها التي يمكن استعمالها مع المسلمين.

وإذا ما عكف ترامب على دراسة التاريخ الأميركي بقدر أكبر من الجدية، فسوف يجد اللاتينيين في مناحي الحياة الأميركية كافة.
وسوف يعرف شخصيات عسكرية بارزة مثل الجنرال بوروغارد، والأدميرال فاراغوت، وجون أورتيغا «البحار البطل». وفي الأدب، سوف يلاحظ ترامب وجود الأديب الكبير جون دوس باسوس، والشاعر خوان فيليب هيريرا، والكاتب ريتشارد بلانكو. وفي خانة المشاهير، سوف يرى ترامب الأبطال الرياضيين اللاتينيين في ذروة الشرف والفخار.

وهل بمقدور ترامب تجاهل عايدة دي كوستا، وهي أول امرأة تطير بطائرة من محرك واحد؟ وماذا عن بطل أبطال رياضة البيسبول آل لوبيز؟ وفي السينما، وهي من أهم أشكال الفنون الأميركية، التي تضم كوكبة كبيرة من النجوم اللاتينيين.. هل
إمكان ترامب تجاهل وجود ريتا هيوارث، وماريا مونتيز، وجوان بينيت، ودوروثي لأمور؟ أو، ولكي أتوخى الصحة من الناحية السياسية وأحترم المساواة بين الجنسين، هل بمقدوره استبعاد رودولف فالنتينو، وريكاردو مونتالبان، وسيزار روميرو، وميل، فرير، وأنتوني كوين من ذاكرة التاريخ؟

وبكونه على هذا القدر من العمر، لا بد أن ترامب قد رقصفي يوم من الأيام على أنغام خافير كوغات وزوجته آبي لين أصحاب الأرجل الرائعة، أو على الأقل مع جيري غارسيا ومانويل بيريز.

ومن حيث إلصاق الهويات على أصحابها، فسوف يحسن ترامب صنًعا باستخدام شفرات أوخام للحلاقة. ويصف ترامب غونزاليز كورييل بـ«المكسيكي»، على الرغم من أن القاضي مولود وناشئ في أحياء شيكاغو. كذلك، فإن القاضي كورييل يعود بأصوله إلى فرنسا وليس المكسيك، وانتقل أجداده إلى المكسيك في وقت من الأوقات خلال القرن التاسع عشر، تماًما كما غادر أجداد ترامب من الألمان أوروبا نحو العالم الجديد.

وفي السياسة، يمكن لجرعة الحنين أن تكون قوية للغاية، وبالتالي تبرر لترامب شعاره المرفوع: «استعادة أمتنا». وفي واقع الحياة، رغم ذلك، فإن استعادة أحداث التاريخ من المساعي غير المجدية، تماًما كمثل المحاولة لإعادة تشغيل مجرى النهر المحول بالأمس. فالنهر دائًما في مكانه ولكنك لا تسبح في النهر نفسه مرتين.

والأمم بين ما كانت عليه وما أصبحت عليه حيث يشكل الماضي ملامح الحاضر وآفاق المستقبل. وسواء كان ترامب يحب ذلك أم لا، فإن مفهوم المساواة بين الجنسين قد أصبح جزًءا لا يتجزأ من الثقافة الأميركية. ولا تزال أغلبية الأميركيين تتقبل زواج المثليين في المجتمع. وفي كثير من الأماكن، أصبحت المخدرات الخفيفة قانونية من حيث الاستخدام، وليس بوسع أحد أن يعيد عفريت الإجهاض إلى القمقم مرة أخرى. وصارت السيطرة على السلاح أكثر صرامة من ذي قبل. ومزيد من الولايات أصبحت تمنع تطبيق عقوبة الإعدام وتتبنى القوانين الصديقة للبيئة.

ولا يمكن لأحد إحياء صناعات النطاق الصدئ عن طريق عكس موجة العولمة. والطريقة الحكيمة سوف تكون من خلال تجاوز الصناعات القديمة وبناء صناعات «الدماغ» التي تتقدم الولايات المتحدة فيها الصفوف الآن.

وبعد ظهورها منذ ستينات القرن الماضي وحتى الآن، فإن الهويات الموصولة قد ألحقت أضراًرا بالتماسك الاجتماعي في الولايات المتحدة، وسهلت من خلق «قوس الاستياء» بناء على الهويات الحقيقية أو المخترعة.

الولايات المتحدة هي أول دولة أسست كشركة ولكل مواطن سهم فيها. إن «قوس الاستياء» المنافس ينبغي أن يتعلم العيش والتقدم مًعا. وللقيام بذلك فأصحاب ذلك القوس يتعين عليهم التوقف عن إقصاء بعضهم بعًضا من خلال الهويات الموصولة والتحرك نحو النقاش السياسي بدلاً من الارتكان إلى المظالم العنصرية والنوعية والنمطية من غير وعي أو إدراك. ولعله من الآمال البريئة كما أرجو له أن يكون.