عمار علي حسن

يجب أن نفهم على وجه دقيق ما هو «داعش»؟ قبل أن نفكر في سبل مواجهته وحصاره، وتضييق الخناق عليه، وربما هزيمته في معركة حاسمة، لا يبقى منه بعدها شيء، أو لا تتمكن فلوله من إعادة إحيائه، ولا حتى التطور في اتجاه تشكيل تنظيم جديد على أنقاضه.

ويخطئ من يظن مع «داعش» أن عليه أن يفكر في تنظيم تقليدي، كتلك التنظيمات التي توزعت على خريطة العالم الإسلامي من دون تساو منذ سبعينيات القرن العشرين، أو في تنظيم «الإخوان» الذي ظهر قبل هذا بنصف قرن على الأقل. فـ«داعش» ليس مختلفاً فقط في الدرجة عن سائر ما سبقه من تنظيمات وجماعات، إنما هو مختلف في التكوين والتشكيل، وفي التصرف والتدبير، وفي الأهداف والغايات التي وضعها لنفسه، أو تلك التي وضعها من صنعوه، أو تحكموا في جزء منه، وقبل هذا في الفكر، الذي لم يقف طويلاً عند دراسات الفقه والشريعة، لينطلق إلى دراسات إجرائية آنية، تجسر الفجوة بين القول والفعل.

ودراسة «داعش» أو معرفته ليست بالأساس مسؤولة علماء الدين، أو علماء السياسة والمشغولين بها، إنما يحتاج إلى تضافر جهود علمية، في الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والتكنولوجيا والاتصال. فبقدر تركيب داعش يجب أن يكون تركيب المداخل إليه، والاقترابات منه، ومحاولات دراسته وفق منهج علمي.
إن «داعش» تنظيم ديني تقليدي، في البذرة التي انطلق منها، فكراً وتنظيماً، لكنه تجاوز تقليديته تلك بحكم عدة عوامل، يمكن ذكرها على النحو التالي:

- استفادته من خبرات وتجارب جماعات سبقته، والتي انتهت إلى الإخفاق في تحقيق أهدافها، وآخرها «القاعدة» التنظيم الذي أُنهك وتراجع دوره، وتم ترميم البعض وجوده بحديث عن تحوله من تنظيم إلى مجرد فكرة.

- حداثة أوعصرنة الدول التي ساهمت في صناعته، حيث وضعت إمكاناتها في خدمته، وهي إمكانات متطورة بالطبع، تستعمل أحدث ما توصلت إليه العقول والعلوم والتقنيات.

- استفادة التنظيم من قدرات بعض العناصر التي دخلت إليه طواعية، وبعضها تعلم في أحدث الجامعات والأكاديميات، وهؤلاء أهدوا خبراتهم وعلمهم لداعش طواعية وعن يقين، وهم ينتمون إلى دول وثقافات مختلفة، ولديهم خبرات متنوعة.

وقد يقول قائل إن هذا كان أيضاً في القاعدة، التي تشكلت من شباب منحدرين من مختلف الدول الإسلامية، لكن «داعش» تجاوز هذا إلى انضمام غربيين أقحاح إليه، وهو ما لم يتوافر للقاعدة بالقدر نفسه.

- مدى ربط أحداث ووقائع بالحالة «الداعشية»، أو الإيهام والإبهام بشأن «داعش»، والتي تجعل من الممكن لأجهزة استخبارات أن تقوم بعمليات نوعية في سياق الصراع بين الدول، وتنسب ذلك لـ«داعش»، وبالتالي تعطيه مزيداً من الرهبة والمكانة والجاذبية.

- يرتبط بالدينامية أو التطور الداخلي الذاتي للحركة الإسلامية المتطرفة التي ترفع السلاح وتمارس الإرهاب، والذي قد يحدث نتيجة تراكم خبرة لدى القيادات والأعضاء، بحكم تفاعل هذه الحركة مع السياق الاجتماعي والسياسي المحلي والدولي، وهي تبدو في هذه الناحية أشبه بالفيروس الذي يتمحور في مواجهة المضادات التي ترمي إلى القضاء عليه أو حصاره وتقليل فاعليته.

- تخفف التنظيم من كثير من الحمولات التاريخية، شرعية وفقهية، التي كانت تقيد حركة بعض التنظيمات التي سبقته، وقد تعرض «داعش» لنقد مفرط في هذه الناحية من زعيم «القاعدة» الحالي أيمن الظواهري وغيره، فـ«داعش» لم يعد مهموماً بهذه الحمولات إلا في اصطياد عناصر جديدة وتجنيدها من باب الدين، وتعبئة عناصره في المعارك باسم نصرة الله، وأداء فريضة الجهاد.

وشكلت هذه النقطة سبباً للخلاف بين كثير من الجماعات الدينية المتطرفة على مدار تاريخها، ووصل الخلاف في بعض الحالات إلى الانشقاق والتقاتل.

لكن «داعش» لم يعبأ بكل هذا، وراح يتعامل ببراجماتية بحتة في المواقف التي يتعرض لها، فصارت «الغاية تبرر الوسيلة» لديه، ولم يعد معنياً بأي قيد ديني حقيقي يمكن أن يمنعه من السير نحو أهدافه.