&وليد خدوري

&وقّعت السعودية وروسيا بياناً مشتركاً في 5 أيلول (سبتمبر) الجاري، على هامش «قمة العشرين» في هانغتشو في الصين. وأفاد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، بأن الجانبين سيشكلان مجموعة عمل لمراقبة أسواق النفط وإعداد التوصيات اللازمة لضمان استقرارها. ووفقاً للاتفاق، ستتخذ الرياض وموسكو تدابير مشتركة للتنسيق مع المنتجين الآخرين للنفط في العالم «للحفاظ على استقرار أسعاره». كما يدعو الاتفاق، الذي وقعه وزير الطاقة والثروة المعدنية والصناعة السعودي خالد الفالح، ووزير الطاقة الروسي، الى التعاون «لدعم الاستقرار في سوق النفط»، والعمل على «تثبيت مستوى الاستثمارات على المدى البعيد»، إضافة الى عقد لقاء بينهما نهاية الشهر الجاري على هامش الاجتماع البترولي في الجزائر.

تحفظت الأسواق تجاه الاتفاق، فارتفعت الأسعار ثم تراجعت، على رغم تصريح الوزير الروسي لاحقاً بـ «أن التعاون مع السعودية يتضمن سبلاً لإحلال الاستقرار في أسواق النفط، بما في ذلك الحد من إنتاج النفط الخام، لافتاً الى أن تجميده عند مستويات محددة قد يساهم في استقرار السوق». وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اجتماعه مع ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، بأن من العدل أن تضخ إيران النفط بالمقدار الذي كانت تضخه قبل فرض العقوبات الدولية عليها، لكنه أضاف أنه لا يعتقد بأن السعر الحالي للنفط عادل.

ونبه الفالح من «أن المملكة وروسيا وحدهما ليس في مقدورهما إعادة التوازن الى سوق النفط الخام، داعياً الى تضافر جهود كل الدول المنتجة للنفط. وأضاف في مقابلة مع تلفزيون «العربية» «إن تجميد الإنتاج هو من الاحتمالات المفضلة لكنه ليس ضرورياً اليوم، فوضع السوق يتحسن يوماً بعد يوم والأسعار تبين ذلك».

وفي السياق ذاته، انعقد في سنغافورة الأسبوع الماضي «مؤتمر بلاتس غلوبال آسيا - الهادئ 2016» وهو يعتبر واحداً من أهم اللقاءات السنوية البترولية، إذ يشارك فيه كبار رجال الصناعة. وقد ساد جو المؤتمر هذا العام، خطاب جديد ومفاجئ، إذ تكلم بعض كبار الاقتصاديين في شركات النفط عن تغير أساسي قد بدأ يحصل فعلاً في ميزان سوق النفط. وقال رئيس شركة «بي بي» للإمدادات والتجارة في نصف الكرة الشرقي، اندي ميلنز، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر «لقد عاد التوازن ما بين العرض والطلب النفطيين، بحيث لربما بدأ السحب من المخزون الضخم. ويبقى إنتاج النفط الصخري الأميركي العامل غير المعروف في المعادلة». وأضاف «العرض والطلب في حال توازن دقيق وحرج. فهناك مخزون نفطي عال جداً، لكن وجهة نظر «بي بي» أن السحب من المخزون بدأ في حزيران (يونيو)» ، وأضاف «هذا يعني أن الطلب أعلى من العرض، ويتوجب أن يستمر هذا التوازن الجديد لفترة طويلة كي نرى نتائجه».

وقال نائب رئيس شركة «شتاتويل النروجية» وكبير اقتصادييها، إريك ويرنيس، على هامش المؤتمر: «بدأت فعلاً إعادة التوازن في الأسواق. لكن من المستحيل التنبؤ بطريقة تأثيرها على الأسعار بسبب ضخامة المخزون». وأضاف: «تشير أساسيات السوق الى الارتفاع التدريجي للأسعار في الفترة المقبلة. وهناك مؤشرات تدل على أن المخزون العالي يضع سقفاً لهذا الارتفاع». وهناك من جهة أخرى عوامل تدفع بارتفاع الأسعار، إذ لدى «أقطار أوبك حالياً طاقة إنتاجية إضافية ضئيلة. وهناك انقطاعات للإنتاج من عدد من الدول».

وأضاف: «هذه جميعها عوامل عادة ترفع الأسعار. لكن هناك حوالى 500 مليون برميل في المخزون مقارنة بالمستويات العليا التي كانت متوافرة سابقاً».

وصدرت تصريحات جديدة من جانب وزير النفط الإيراني بيجين زنغنة، بعيد لقاء تشاوري في طهران مع الأمين العام لمنظمة «أوبك» محمد باركيندو، إذ رأى أن معظم أعضاء المنظمة يرحبون بأسعار في نطاق 50 -60 دولاراً، معتبراً أن سعر 55 دولاراً يعتبر مناسباً لاقتصادات دول «أوبك»، كما سيكون مانعاً للدول خارج المنظمة من زيادة الإنتاج. وأضاف أن إيران تتطلع الى رفع إنتاجها من النفط الى مستوى ما قبل مرحلة رفع العقوبات. وأعلن مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية محسن قمصري أن إيران تنتج ما يزيد على 3.8 مليون برميل يومياً، وقد يصل إنتاجها الى 4 ملايين في غضون أشهر قليلة، لافتاً الى أن إنتاج إيران كان أعلى قليلاً من 4 ملايين برميل يومياً قبل العقوبات.

ورحبت أسواق النفط في بادئ الأمر بالاتفاق السعودي- الروسي، إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 5.4 في المئة ليصل سعر نفط «برنت» الى 49.5 دولار للبرميل، ولكن سرعان ما تراجع الى 47.96 دولار.

ما هي تداعيات الاتفاق على الأسواق؟

تشير تصريحات المسؤولين التي رافقت الإعلان عن الاتفاق الى التغيير الذي حصل في الأسواق العالمية، والذي أشار اليه بعض كبار مسؤولي الشركات النفطية العالمية في سنغافورة. وهو يشير الى بدء تغير عوامل العرض والطلب التي لا تستدعي تحديد الإنتاج حالياً، ما ينزع فتيل المطلب الأساس لإيران سابقاً، بخاصة أنها وصلت تقريباً الى مستوى إنتاجها قبل العقوبات. لكن عدم التطرق لموضوع تحديد الإنتاج في البيان المشترك، رغم تغير عوامل السوق، سيبقي المضاربين في الأسواق على حذر عما سينتج منه اجتماع الجزائر آخر الشهر. فهل ستختلف الدول المنتجة مرة أخرى، كما حدث في اجتماع نيسان (أبريل) في الدوحة، أم تم تجاوز هذا الأمر والخلاف السعودي- الإيراني؟ من المحتمل جداً أن المضاربين في الأسواق سيبقون على حذر حتى إعلان النتيجة النهائية في الجزائر، ومع توقعات الشركات الكبرى، فإن اتجاه المضاربات سيكون برفع الأسعار.

طبعاً، وكما تردد في سنغافورة، هناك ظل المخزون التجاري الذي لا يزال عالياً ويترك ظلاله على الأسعار. وتفيد وجهة نظر مهمة بأن أي زيادة سريعة للأسعار فوق نطاق 55 -60 دولاراً للبرميل، قد تعيد الحيوية لصناعة النفط الصـــخري الأميركي ومن ثم يزيد الإنــتاج النفطي العالمي، فيتغير ميزان العرض والطلب العالمي ثانية، ما قد يؤدي الى انخفاض آخر للأسعار.

&