سطام المقرن& &

&

بعض البنوك للأسف تتساهل في عمليات التحويل ولا تشترط وجود حساب بنكي معتمد للمحول إليه، وربما يتم نقل الأموال من قبل أحد الحجاج وتسليمها كأمانة إلى أحد المقيمين الذي بدوره يقوم بتحويلها مجزأة إلى الخارج

أعلنت وزارة الداخلية عن استعدادات الإدارة العامة للتحريات المالية بالوزارة بعدد من الإجراءات والضوابط الوقائية لمكافحة العمليات المالية المشبوهة التي قد تستغل موسم الحج، والتي منها على سبيل المثال غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، حيث تقتضي الأنظمة المرعية في المملكة العربية السعودية بإلزام أي شخص يرغب في أداء مناسك الحج بالإفصاح عن المبالغ والمعادن الثمينة التي بحوزته وتزيد على 60 ألف ريال سعودي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية أو الأدوات المالية القابلة للتحويل مثل الشيكات السياحية وشهادات الاستثمار والسندات.

لا شك أن المملكة قد اتخذت خطوات جبارة وقوية في مواجهة عمليات غسل الأموال، وذلك انطلاقا من أحكام الشريعة الإسلامية ومن العديد من الاتفاقيات والتوصيات الدولية والإقليمية، كما قامت بالعديد من الجهود والإجراءات على النطاقين المحلي والدولي، ونظرا لأن البنوك أو القطاع المصرفي بشكل عام يتمتع بنوع من الحصانة ضد عمليات غسل الأموال، إلا أن غاسلي الأموال اتجهوا إلى طرق ووسائل أكثر تعقيدا!

حيث تتمثل خطورة جريمة غسل الأموال في كونها من الجرائم المتعددة الوجوه والأشكال، إذ يجيد هؤلاء المجرمون فن التغيير والتلون واستغلال الثغرات وضعف الرقابة بحيث يعتمدون على التخفي والتستر، وكما يقال عن هذه الجريمة إنها "جريمة الخروج من الجريمة".. بل وتعد من أهم مصادر تمويل الإرهاب في ارتباطها بالأموال الناتجة عن الأنشطة الإجرامية حينما يتم غسلها وإعادة استثمارها فتوجه إلى تمويل العمليات الإرهابية، مما يترتب على ذلك العديد من التداعيات التي تمس أمن المجتمع بأكمله.

وبالرغم من نجاح وزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، والقطاع المصرفي في ضبط القنوات المصرفية، ومنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلالها، إلا أن غاسلي الأموال والجماعات الإرهابية ما زالوا يجدون ضالتهم في قنوات أخرى تعتمد على موسم الحج بالذات، وذلك عن طريق استغلال العاطفة الدينية للناس. فمن أهم الوسائل والطرق التي ينتهجها غاسلو الأموال وخاصة في موسم الحج هي عملية تحويل أو نقل الأموال من خلال تغيير شكل الأموال أو العملة النقدية، فبالرغم من أن النقل المادي لا يعد غسلا في ذاته، إلا أن المتاجرين بالمخدرات على سبيل المثال أو أصحاب الأنشطة المشبوهة يستعملون هذه الطريقة لأنها لا تترك أثرا مستنديا، فيتم استغلال حاجة بعض الناس إلى أداء فريضة الحج من بعض الدول فيتكفلون بدفع تكاليف أداء الفريضة كوجه من وجوه فعل الخير، ولكن بشرط تهريب العملات النقدية عن طريق إخفائها في الحقائب والأمتعة والطرود المختلفة.

وعادة ما يتم استبدال العملات النقدية الصغيرة بعملات أكبر قيمة لزيادة القدرة على نقل النقود أو تحويل النقود إلى شيكات مصرفية للتخلص من المبالغ المالية السائلة، ثم تهرّب الصكوك النقدية إلى الخارج، وقد تعطى هذه الأموال إلى حاج آخر بغرض توصيل أمانة والذي بدوره قد ينقل هذه الأموال إلى دولة أخرى بعد انتهائه من أداء مناسك الحج، ناهيك عن عمليات تغيير العملة في السوق السوداء، وبالطبع فإن الهدف الرئيسي من وراء تحويل الأموال أو نقلها هو المباعدة بين المال القذر ومصدره غير المشروع.

بالإضافة إلى ذلك يستغل بعض غاسلي الأموال شركات نقل الحجاج كواجهة مستترة لغسل الأموال ويستغلون أيضا قيام بعض الفنادق وتأجير الشقق بإعادة التأجير إلى أشخاص آخرين، والذين بدورهم يقومون بإعادة تأجير الغرف والشقق إلى الحجاج والمعتمرين كنوع من الاستثمار الخفي والذي يستخدم أيضا في عملية غسل الأموال.

كما يستغل البعض أيضا ضعف الرقابة الداخلية في بعض البنوك وتجاهلها لمبدأ "اعرف عميلك"، فيقوم غاسلو الأموال باستغلال التحويلات البنكية التي تتم بسرية تامة وسرعة فائقة، وبالتالي يصعب تتبع أصل الأموال المحولة، خصوصا إذا كان التحويل إلى بنوك مشبوهة أو أشخاص مشبوهين، فبعض البنوك للأسف تتساهل في عمليات التحويل ولا تشترط وجود حساب بنكي معتمد للمحول إليه وتكتفي فقط بالاسم والعنوان ورقم الهاتف، فربما يتم نقل الأموال من قبل أحد الحجاج وتسليمها كأمانة إلى أحد المقيمين الذي بدوره يقوم بتحويلها مجزأة إلى الخارج.

ليس هذا وحسب، بل تستطيع بعض الجهات المشبوهة التي تنتشر إعلاناتها في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت والمتمثلة في ادعائها استثمار الأموال وتداولها في شراء الأسهم عن طريق فتح حسابات بنكية وسيطة من أجل تحويل الأموال فقط، كإيحاء بوجود حسابات بنكية معتمدة، وقد تستغل مثل هذه الحسابات في عمليات غسل الأموال وخاصة في موسم الحج.

أما بخصوص تمويل الإرهاب واستغلال موسم الحج، فربما يعمد غاسلو الأموال إلى نقل المبالغ النقدية إلى الحجاج في الداخل، لتمويل جماعات إرهابية، وذلك عن طريق تهريب الأموال النقدية إلى الداخل من جهات خارجية على علاقة بجماعات الداخل، وفي هذه الحالة تتداخل مصالح الجماعات الإرهابية مع مصالح المهربين الذين ربما استغلوا علاقاتهم، وحصتهم من الأموال المنقولة لدعم أنشطة تهريب أخرى كتهريب المخدرات والأسلحة.

وعلى هذا الأساس يتم نقل أموال الدعم الخارجي من خلال الحجاج، وذلك عن طريق تجزئة الأموال المنقولة بما لا يزيد عن (60) ألف ريال للمرور من المنافذ، وتوزيعها على العدد المناسب منهم، أو يتم استغلال الصدقات وجمع التبرعات أو استغلال كروت وكوبونات الأضاحي من باب الزكاة والإنفاق في سبيل الله.

مما سبق، يتضح تعدد وسائل وطرق غاسلي الأموال وممولي الإرهاب واستغلالهم للمناسبات الدينية لتمرير جرائمهم وأموالهم القذرة، وهي تتغير وتتلون بتغير الزمان والمكان وتطور التقنية، وتبقى توعية الناس بتلك المخاطر وتبعات المسؤولية القانونية لها، بالإضافة إلى تفعيل أنظمة الرقابة الداخلية في البنوك والمؤسسات المالية الحل الأمثل لمواجهة تلك الجرائم.

&