سمير عطا الله

العداء لأميركا مشكلة وصداقتهاُ معضلة. وقد اعتادت الشعوب أن تعِّبر عن آرائها ومواقفها من دون أي حذر أو تخوف من الانعكاسات. أما الدول فعادتها وقواعدها، شيء واحد، هي المسؤولة عن نفسها وعن شعوبها وعن مصالح الفريقين. وإذ تميل الشعوب بطبائعها إلى تفجير الأزمات، تسعى الدول دائما إلى احتوائها، تجنبا لكلفتها وللمجاهل التي تعلمت ألا تدخل فيها.

ثمة أزمة سعودية أميركية، لا يمكن تجاهلها أو التقليل من آثارها. إلا أن مشكلة واشنطن مع حلفائها وأعدائها ومحايديها على السواء، كانت بأن الذين يصنعون سياساتها ثلاثة فرقاء أساسيون على الأقل. الرئيس، والخارجية، والكونغرس. وفي مراحل ومحطات كثيرة تجاوزت الخلافات بينها إمكانية الحل. وقد كان آخرها مثلا، خلاف معظم الدبلوماسيين في الخارجية مع سياسة باراك أوباما في سوريا. 

وطالما حدثت خلال نصف القرن الماضي، خلافات كبرى بين الثلاثة حول الموقف في الشرق الأوسط. يسهل على الدول المعنية الحوار مع الخارجية، أو مع الرئاسة، ولكن كيف يمكن لأي فريق – غير إسرائيل – أن يحاور السادة والسيدات في مجلس النواب والشيوخ؟ ما من أحد استطاع التأثير على الكونغرس سوى اللوبي الإسرائيلي. 

وأما العرب بصورة عامة، وشبه دائمة، فقد كانوا قليلي الحظ في العاصمة الأميركية، بمن فيهم مصر بعد ذهابها إلى كامب ديفيد. وفيما يتطلع حلفاؤها التقليديون والقدامى، إلى تأييدها في أزماتهم المصيرية الكبرى، يفاجأون بها تقفز إلى صفوف خصومها وخصومهم. وفي اليوم الذيُفِتحت أبواب الكابيتول ضد «الإرهاب السعودي»، فتحت «النيويورك تايمز»، جريدة المؤسسة الأميركية، صفحاتها لظريف الدبلوماسية الإيرانية من أجل استنكار «الإرهاب السعودي»، من غير أن يتوقف لحظة واحدة عند احتلال السفارة الأميركية في طهران أو نسف السفارة في بيروت بكل من فيها، أو نسف فرقة المارينز بالعاصمة اللبنانية.

غريبة هذه المصادفة: تتهم إيران السعودية بالعمالة لأميركا، ثم تلتقيان معا في الهجوم عليها. ولا تزال إيران ترفع صوتها ضد الشيطان الأكبر كلما اضطرت إلى ذلك، كما لا تزال طائرات وسفن البلدين تقدم العروض المثيرة في مياه الخليج، لكن الذي يربط الرياض بواشنطن هو استمرارية دامت نحو قرن، وليس قفزات استعراضية. وليس من المتوقع أن تغير الرياض أسلوبها بالتعاطي مع الدول، ولكنها بالتأكيد تجد نفسها للمرة الأولى، أمام واقع شديد الغموض. فالذين اتهموها بالإرهاب يعرفون جميعا أنها الشريك الأكثر تعاونا لمحاربته.

وقد لا يذكرون أنها دعت إلى تأسيس منظمة عالمية لمحاربة الإرهاب تكون الولايات المتحدة العنصر الأول فيها، ويكون مقرها العاصمة السعودية. لكن هذا هو الكونغرس، وتلك هي «النيويورك تايمز» والطريق طويل ومعّقد.