إميل أمين

هل سيضحى القانون الأميركي الجديد «جاستا» فتنة للأميركيين وللعالمين على حد سواء؟. يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، فهو في الوقت الذي يؤشر فيه إلى أن أميركا لم تعبر بعد إلى الثاني عشر من سبتمبر (أيلول)، فهو يعمق الشرخ الحادث بين الأميركيين من ناحية والعرب والمسلمين خاصة وبقية شعوب العالم عامة من جهة ثانية.

لا يحتاج الأمر إلى تحليلات كثيرة للإشارة إلى الأضرار الكبيرة والخطيرة التي سيتركها مثل هذا القانون حال مضى قدًما على علاقة واشنطن بالعالم العربي والإسلامي لا سيما أن موعده يواكب الأنباء التي تتحدث عن صفقة التسليح الأميركية التاريخية وغير المسبوقة لإسرائيل (38 مليار دولار) وفي نهاية الولاية الثانية لرئيس صفق له الجميع في بدايات أيامه واستبشروا معه آمالاً واهية، في شيء من العدالة أو التوازن، لكن حساب البيدر ها هو يأتي منافًيا ومجافًيا لحساب الحقل.

«قانون جاستا» يعزز الفتنة بين الأميركيين أنفسهم، ذلك أنه يضع أوباما بين أمرين أحلاهما مر، ويتركه أمام حلين كلاهما أعرج وملتو، ذلك أنه إذا وافق على تمرير القانون فهو بذلك يعرض علاقات الولايات المتحدة بالعرب لوضع خطير، ويؤسس في الوقت عينه لحالة من الفوضى غير المسبوقة مع بقية دول العالم؛ حالة تكرس فكر الفوقية الأميركية، وتعزز من أوضاع الغرور الإمبراطوري، ما يجعل رفض أميركا المبنى والمعنى أمًرا واجب الوجود، في زمن تسارع فيه تكتلات دولية جديدة للانقضاض على إرثها شمال البسيطة وجنوبها.

أما حال رفض القانون واستخدم حق النقض - الفيتو، فإن الاتهامات رابضة له خلف الباب، تتخذ من جذوره الإسلامية مدعاة وملهاة، عطًفا على أنه سيعرض المرشحين الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب لخطر الإخفاق في مواجهة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي القادمة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وقد تمتد الخسائر إلى المرشح الديمقراطي للرئاسة فيخلفه الحظ ويوفي لمنافسه الجمهوري، وبذا يكون «جاستا» نقمة لا نعمة في كل الأحوال.

فتنة جاستا حكًما ستضرب التحالفات الكثيرة التي تساند الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب حول العالم؛ إذ سيتساءل الجميع: ما الحكمة من مثل هذه علاقات إن كانت واشنطن في نهاية المطاف توجه الطعنات للأصدقاء قبل الأعداء؟ وعليه فإن خسائر واشنطن قطًعا ستكون أهول من أي مكاسب.

الفتنة عينها ستضرب الداخل الأميركي من جراء الخسائر المالية المرتقبة، فمن سيأمن لاحًقا على أمواله أو استثماراته في دولة تأخذها روح الاستثنائية وتدفعها في طريق المكابرة والغلو في معاداة الجميع، بل ومحاكمة شعوب وحكومات العالم على ترابها، والاقتصاص منها، عبر مصادرة أملاكها أو تجميد أرصدتها، وعليه يكون الانسحاب من الأسواق الأميركية صناعًيا ومالًيا وعقارًيا، هو الخيار الأصوب...

كيف يمكن أن يكون حال أميركا لو ذهبت الصين خاصة في هذا الاتجاه وهي التي تتوقع حرًبا مع أميركا بين الفينة والأخرى بسبب بحر الصين الجنوبي، وهي التي تستثمر أيًضا قرابة ثلاثة تريليونات دولار في أذونات الخزانة الأميركية؟

لا تقتصر «فتنة جاستا» على ما تقدم، فهناك جانب آخر كثيًرا ما صمت العالم عنه منذ عقود طوال، وهو الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة حول العالم، وفيه من إرهاب الدولة الرسمي الشيء الكثير، الذي يمكن أن يؤرخ له حديًثا وليس قديًما من عند الرئيس الأميركي هاري ترومان الذي اعتبر أن «العالم الآن في متناول أيدينا»، وقد كان ذلك بعد إلقاء قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما ونغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، ووصولاً إلى الضحايا الجدد من حروب أميركا في أفغانستان والعراق، الصومال واليمن، ليبيا وفلسطين، هذا إذا لم نعتبر أن القضاء على 140 مليون هندي أحمر هم سكان البلاد الأصليون أكبر إبادة بشرية عرفها التاريخ.

ملاك القول أن «جاستا» يؤسس لفتنة الرد بالمثل من شعوب وحكومات العالم على الأميركيين، حتى وإن لم يمتلك الجميع القوة المادية القادرة والقاهرة اليوم على إخضاع واشنطن، وإن كان الغد دوًما نهاًرا آخر.

«فتنة جاستا» غير مسبوقة، إذ إن القانون في نسخته الجديدة وبخلاف مسودته الأولى يعطي الفرصة للإدارة الأميركية، أي إدارة، لإبداء رأيها من خلال وزارة الخارجية حول التزام هذه الدولة أو تلك بالرؤى الأميركية لمحاربة الإرهاب، ما يعني أن أي إدارة أميركية قادمة أو قائمة تمتلك سيًفا مسلًطا على رقاب حكومات العالم لإخضاعها لمشيئتها السامية وإلا فالعقاب جاهز.

هل يستلفت النظر أن يكون عضو مجلس النواب الديمقراطي من نيويورك جيرولد نادلر بسماته العقائدية المعروفة هو راعي هذا القانون أو حارس تلك الفتنة إن شئت الدقة؟ وهل تزداد دهشة القارئ حال علمه أن نادلر نفسه، كان ولا يزال الداعم الرئيسي لباراك أوباما في التوصل للاتفاق النووي مع الإيرانيين؟

من جديد قد لا يكون التاريخ كله مؤامرة نعم، لكنه كذلك ليس فردوًسا للأطهار. المؤامرة كامنة في قلب أضابير التاريخ.. فانظر ماذا ترى؟.