&&توفيق السيف&&

أبدأ بما انتهى إليه زميلي ياسر الغسلان (الوطن 19 - 9) السعودية، وخلاصته أننا «نحب سماع ما يروق لنا»، ونضيق الأمر حتى نجعل كل رأي مختلف عما توهمناه، إعلان معارضة. وأزيد أن البساطة قد بلغت ببعضنا حدّ الظن أن كل مختلف عنا عدو لنا، وكل مخالف لنا متآمر علينا. نقل الزميل الغسلان ذلك الانطباع عن جون الترمان، وهو باحث أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، ووافقه فيه.

أعلم أن مفهوم «الاختلاف» ليس ناضجًا في ثقافتنا العامة بما يكفي. وهذا هو السبب الذي يجعل نقاشاتنا ساخنة متوترة، حتى تلك التي تدور حول كرة القدم أو الفتاوى الفقهية، بل وحتى أسماء الأزقة، فضلاً عن الصراعات السياسية الدائرة هنا وهناك.

وقد جرت عادتنا على إغفال عناصر القضية المثارة والتركيز على أشخاصها. ثم الهروب من التحليل ومحاولة الفهم، إلى استيراد أقاصيص ذات ظلال دينية أو تاريخية، لإصدار حكم يلخص رأينا في الموضوع المطروح. بعبارة أخرى، فإننا لا نجتهد في فهم الواقع ولا نهتم بتفكيك أجزائه قدر اهتمامنا بالحكم عليه. انظر إلى القضايا المثارة في الساحة اليوم، من الحرب الأهلية في سوريا إلى «قانون العدالة ضد الإرهاب» الذي صوت عليه الكونغرس الأميركي قبل أيام، إلى الانتخابات الأميركية والروسية... إلخ.. في كل هذه المسائل نتحدث عن «الأشخاص» الذين لهم علاقة بها ولا نتحدث عنها إلا نادرًا. وحديثنا عن الأشخاص يكون في الغالب (أو ربما دائمًا) انطباعيًا وليس تحليليًا. وخلاصة ما نتوصل إليه هو ابتكار صفات إضافية لمن نصنفه كعدو أو صديق.

دعنا نأخذ مثالاً عن الانتخابات الأميركية، التي نعلم أنها ستأتي برئيس جديد بعد شهرين، وسيتسلم منصبه في يناير (كانون الثاني) المقبل. فنحن لم نناقش حتى الآن سؤال «كيف ستكون سياسة واشنطن في العالم ومعنا، خصوصًا إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب»؟ و«كيف ستكون تلك السياسة لو فازت المرشحة الديمقراطية كلينتون»؟ في كلتا الحالتين، ما الذي نربحه وما الذي نخسره؟ وكيف نعالج الوضع الجديد على نحو يقلل خسائرنا أو يزيد مكاسبنا؟ أي ما الأدوات المتوفرة لدينا أو التي يجب توفيرها لمعالجة الوضع الجديد؟ ومثل ذلك قانون جاستا المشار إليه. فقد قررنا سلفًا أنه يستهدف العرب دون غيرهم، وأن الكارثة تطرق أبوابنا. حسنًا.. هل الخطر داهم إلى هذه الدرجة؟ وإذا كان كذلك فما الخسائر المتوقعة؟ وما الذي يتوجب علينا فعله، على المستوى القانوني والسياسي والاقتصادي؟

الأزمة السورية مثال آخر أشد ضغطًا على مشاعرنا. تحولات الميدان وانعكاسها على التداول السياسي لم تكن كافية فيما يبدو لتدفع نقاشاتنا إلى الحلول الممكنة والمناسبة لمصالحنا. نعلم أن الولايات المتحدة وروسيا قد استحوذتا على المبادرة السياسية، فهل لدينا تصور عن السيناريوهات المحتملة في حال التوصل إلى اتفاق سياسي، أو في حال انهيار الأوضاع وتفاقم الحرب من جديد؟ هل لدينا تصور عن حلول ممكنة يمكن طرحها بموازاة الحلول التي يناقشها الأميركان والروس؟

زبدة القول إن الانشغال الكثيف بالبحث عن أعداء، أو المبالغة في وصف الأعداء وأفعالهم (وهي لا تخلو غالبًا من الانطباعات والعواطف والأوهام) لا تفيدنا كثيرًا، بل تشغلنا عما هو ضروري، وهو البحث في تلك القضايا بذاتها، وتفكيكها من أجل فهمها، ثم دراسة ما نربحه أو نخسره من ورائها، وما ينبغي علينا فعله لتعزيز موقفنا إزاءها.

&&