&محمود العوضي

لم تقتصر جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على الاهتمام بالسياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والرياضة فقط، ولكنها امتدت إلى الاهتمام بالبذرة الرئيسة التي يُنَشَّأُ فيها الأطفال وتقوم عليها المجتمعات وهي المعتقدات الدينية، والتي تشكل توجهاتهم وكيفية تعاملهم مع الآخر، فلكل دين معتدلون ومتطرفون. وبناء على البيئة التي ينشأ فيها هؤلاء الأطفال وما إذا كانت معتدلة ومتسامحة أو متطرفة وجامحة، يتعامل كل طرف مع الآخر، إما بقبوله وإما رفضه.

وفي ظل التهديدات الخطيرة التي تهدد منطقتنا والعالم من مذابح الإرهاب التي تضرب في كل مكان ولا تفرق بين لون أو جنس أو عرق أو دين، جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الفاتيكان ولقاء البابا فرنسيس مؤخراً لدرء الهجمة الشرسة على الإسلام ومحاولات إلصاقه بالإرهاب، ومناصرة الأزهر الشريف الذي يتبنى المنهج الوسطي في الإسلام وينبذ العنف والتطرف، والذي يواجه حملة شرسة أيضاً من أولئك المتطرفين والإرهابيين الذين يدّعون أنهم مسلمون أو مدافعون عن الإسلام، وهم في الحقيقة بعيدون كل البعد عن كلمة مسلم.

ونظراً إلى ما تتمتع به الإمارات من مكانة خاصة لدى المرجعيات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية، سعى الشيخ محمد بن زايد إلى توحيد الرؤى والمواقف وتجميع الصفوف وتكاتف الأيادي بين الأزهر والكنسية لتبني وجهة نظر مشتركة بأن العنف والإرهاب لا دين لهما، وأن المتطرفين في كل دين ليسوا هم المعبرين عن موقف الأديان السماوية الثلاثة، وأن هؤلاء المتطرفين ليسوا سوى فئة ضالة تحاول أن تعصف بأمن واستقرار العالم، وأن تشرذم الصفوف من أجل تحقيق منافع خاصة بها من خلال نشر الفتن والتطرف والإرهاب وسفك الدماء في كل صوب وحدب. وأن يؤكد للعالم أجمع أن تحقيق الأمن والاستقرار في كل بقعة من بقاع العالم هو هدف دولة الإمارات وأحد مبادئها التي تسير عليها في سياستها الخارجية منذ نشأة دولة الاتحاد.

وتتزامن هذه الزيارة مع قانون «جاستا» الذي أقره الكونجرس الأميركي أخيراً، ويقضي بالسماح لعائلات الضحايا في الاعتداءات الإرهابية لرفع قضايا أمام المحاكم الأميركية ضد الدول التي يتورط رعاياها في تلك الاعتداءات، وهو الأمر الذي ترفضه الدول العربية والإسلامية جملة وتفصيلاً، لأنه لن تنتفع منه سوى الجماعات المتطرفة التي تنشر الإسلاموفوبيا.

ويحاول الشيخ محمد إقناع الآخر وديموقراطيات الدول الأخرى بأن ما تقوم به الجماعات المتطرفة والمنظمات الإرهابية بعيد كل البعد عن الإسلام، وأن هذه المنظمات وحدها هي من يجب أن تتحمل تبعات تلك الجرائم وليست الدول التي يحمل هؤلاء الإرهابيون جنسياتها، كما يحاول أن يفرض قانون «جاستا».

واللافت للنظر أن أهم الصحف الإيطالية تفاعلت بشدة مع زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الفاتيكان، وتصدرت صور سموه أكبر الصحف الإيطالية وسيطرت الزيارة على صفحاتها الرئيسة. وأكدت تلك الصحف أن هذه الزيارة التي التقى فيها سموه بالبابا وكبار رجال الدين في المؤسسات الدينية العامة في الفاتيكان جاءت لمعالجة التطرف وإيضاح الصورة الحقيقة لبؤَرِه، في محاولة لتجفيف مصادر ومنابع تمويل هذا التطرف الذي لا يمت إلى الأديان السماوية بصلة. وكما قال الأديب الروسي تولستوي «عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساؤوا إليهم».

وكعادتها سجلت الإمارات حضورها على مستوى تقارب الأديان من جديد، فقد كانت واحدة من معابر طريق الحرير الذي تمر من خلاله التجارات والديانات والثقافات المختلفة.

ولي عهد أبوظبي حمل معه إلى البابا هدية ورسالة، وكلاهما يحمل قيمة رمزية كبيرة، أما الهدية فهي سجادة نسجتها أنامل السيدات اللواتي يعانين اضطهاداً في أفغانستان، بمبادرة إنسانية من الشيخة فاطمة بنت محمد بن زايد، والقيمة الرمزية في هذه السجادة أنها من صنع نساء تحررن من قيود الحياة الصعبة في بلادهن. وأما الرسالة فقد حملتها هدايا تذكارية منها ما يوثق اكتشافات أثرية في جزيرة صير بني ياس التي تقع في أبوظبي توثق معالم كنيسة تاريخية وديراً للرهبان يعودان إلى القرنين السابع والثامن الميلاديين، وهناك كنيسة تقع في منطقة جميرا في دبي والتي اكتشفتها بلدية دبي عام 1995. وهذه الاكتشافات لا تتعلق فقط بالجانب الديني، بل تؤكد الإرث الحضاري للإمارات، وأن هناك حياة على أراضيها منذ 5 آلاف عام بحسب بعض المؤرخين.