&عبد الحميد الأنصاري

غادر حجاج بيت الله تعالى، ضيوفُ الرحمن، الديارَ المقدسةَ بعد أن أتموا مناسكهم بكل يسر وسهولة وراحة وأمن وطمأنينة، بتوفيق من المولى تعالى لقيادة المملكة العربية السعودية وحكومتها التي سخرت إمكاناتها كافة لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، ابتغاء وجه الله تعالى. لقد كان حج هذا العام هو الأنجح في سلسلة مواسم الحج الناجحة كلها، بإجماع استطلاعات آراء الحجيج والمراقبين وحملات الحجيج، وأتصور أن هذا النجاح المؤزر ثمرة جهود ضخمة ومتكاملة وإدارة تنظيمية كفؤة، قامت على توافر أربعة عناصر ساهمت في هذا النجاح المشرف:

الأول: الأعمال والمشاريع التوسعية الضخمة التي لا سابق لها في تاريخ مشاريع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، لخدمة بيت الله تعالى وحجاج بيته جل وعلا، مما كان له المردود الإيجابي الكبير في استيعاب أعداد الحجيج المتزايدة، وفي تسهيل وتيسير أداء مناسكهم، وفي سلاسة تنقلاتهم في المشاعر المقدسة كافة.

الثاني: التنظيم الدقيق المتكامل والتنسيق السلس المتناغم بين الجهات والأجهزة الرسمية والأهلية والتطوعية المعنية كافة، بتقديم الخدمات المختلفة، سواء على مستوى سير وتحركات الحجيج، ووسائل النقل وقطار المشاعر أو خدمات المرور أو الخدمات الصحية أو خدمات الكشافة الإرشادية والتوجيهية أو الخدمات الأمنية والعسكرية.. إلخ.

الثالث: المستوى العالي والمتطور في نوعية الخدمات المقدمة إلى الحجاج هذا العام، بتوظيف الأجهزة التقنية في أعمال التوجيه والإرشاد والأجهزة الذكية والتسجيل الإلكتروني والخرائط الإرشادية والمعصم الإلكتروني مما كان له أبلغ الأثر في انخفاض عدد التائهين نسبياً. كذلك قام قطار المشاعر المقدسة بنحو 1600 رحلة، ومع هذه الزيادة لم تتأثر دقة التفويج ومواعيد انطلاق الرحلات، كما التزمت حملات الحج كافة بجداول تفويجها، ونجحت هيئة تطوير مكة في الإشراف على تشغيل وصيانة أكثر من 36 ألف دورة مياه موزعة على كامل المشاعر المقدسة، مجهزة بالخدمات اللازمة كافة، إضافة إلى التنظيم الرائع من قبل رجال الأمن للحركة على جسر الجمرات.

الرابع: منع إيران لحجاجها هذا العام بسبب تعنتها وإصرارها على فرض توجهاتها السياسية والأيديولوجية، بتسييس الحج، مما دفع المملكة إلى رفض هذا التوجه الفوضوي المخرب، لخروجه على مقاصد الحج الكبرى، ومخالفته لقوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ». وحسناً فعلت المملكة، إذ حظيت بتأييد إجماعي من الدول الإسلامية، فحمت الحجيج من السلوكيات السلبية للحجاج الإيرانيين، ممن يقدمون حاملين توجيهات الولي الفقيه بالتظاهر ورفع شعارات سياسية عدائية وطائفية تفرق بين المسلمين وتثير اضطرابات وفوضى وحوادث أليمة يروح ضحيتها مئات الحجاج جرحى وقتلى. لقد ساهم عناد إيران بمنع حجاجها، في إضفاء أجواء من الأمن والطمأنينة والصفاء والسكينة على موسم حج هذا العام، إذ خلا من مظاهر الشغب والفوضى والعبث. المسلمون قاطبة يعرفون أن لإيران تاريخاً عريقاً في إثارة الاضطرابات والفوضى في مواسم حج سابقة، وذلك منذ ثورة الخميني، الذي كان يكلف الحجاج الإيرانيين بالترويج للثورة الإيرانية وتنظيم حملة دعائية لصالح الجمهورية الإسلامية بين الحجاج. ولقد تسبب هذا المسلك التخريبي لإيران في سقوط مئات الحجاج قتلى وجرحى، بينهم حجاج إيرانيون دفعت بهم حكومتهم إلى الموت تحت شعارات ضالة ومضللة. الحجاج الإيرانيون ليسوا حجاجاً عاديين كبقية حجاج العالم الإسلامي الذين يقدمون لأداء الفريضة كعبادة خالصة لله تعالى، وإنما هم مكلفون أيديولوجياً وسياسياً، يقودهم عناصر من الحرس الثوري يجيدون لغات أجنبية للترويج لأجندة إيران السياسية بين حجاج العالم الإسلامي باعتبار موسم الحج أفضل فرصة للدعاية لفكر الولي الفقيه.

إن لجهود المملكة العربية السعودية في خدمة بيت الله تعالى وزواره، تاريخاً عريقاً ومشرفاً ومعروفاً، لا ينكره إلا معاند مكابر أو ناكر جاحد. والذين ينادون بالتدويل مسيسون يدورون في فلك إيران.

تصوروا لو كانت المشاعر المقدسة تحت حكم ولاية الفقيه أو حكومة إسلام سياسي، كيف يكون وضع الحج وحالة الحجيج؟ صراعات سياسية ومزايدات حزبية وفتن طائفية.