&الياس الديري

لبنان في مآزق متعددة لا مأزقٍ واحد، هذا كلام صحيح وفي وقته. ولبنان مشكلته الأساسيَّة لبنانيَّة مئة في المئة، وقبل أن يكون اللجوء السوري ويكون نزوح مليون ونصف مليون الى الفيافي والربوع الغنّاء، هذا أمر راهن ثابت لا يحتاج الى شهود عيان.

ومهما قال وشرح وفنَّد الرئيس تمام سلام في الأمم المتحدة ولقادة العالم بأسره، فإنه لن يتمكَّن من "تغطية" الدور اللبناني في كل المصائب التي اصطَفَت مرقد العنزة مرقداً لها.

وعوض أن يتكبَّد مشقة السفر الى نيويورك، وحمل سلم الشرح والتفصيل والتعليل، وليسأل من هناك "ماذا فعل العالم للبنان"، أو يدقّ ناقوس الخطر ويعلن

على الملأ أن "وطن النجوم" معرَّضٌ للانهيار، كان الأجدى والأجدر أن يطرح أسئلته في بيروت، وعلى أصحاب المقامات الرفيعة والمعالي والعلالي والأصوات الجهُوَريَّة، ودون إهمال شاهري الأصابع والنبرات كبدائل من البنادق والمدافع...

ماذا فعل العالم للبنان على امتداد أربعين عاماً تخللَّتها حروب قذرة، وحروب تآمرية وتدميرية، وأزمات تجلَّت منذ سنتين وبضعة أشهر في تفريغ منصب رئاسة الجمهورية، وتجميد عمل المؤسَّسات الدستوريَّة، وتعطيل الدولة، وشل البلد بكل مؤسساته ومصانعه وأعماله... حتى وصل الأمر الى جعل الزبالة قضية مصيرية.

نتهم الخارج بأنه خلف الفراغ الرئاسي. ولا نذكر سيرة حلفاء هذا الخارج في الداخل، الذين يتولون هم تنفيذ مآرب هذا الخارج ومطالبه، حتى إن أدت الى إلغاء الدولة اللبنانية، وجعل لبنان مربط مراكبٍ ومربط خيلٍ لما يقارب المليوني لاجئ. والحبل على الجرار. وحبل الفراغ الرئاسي أيضاً. والتعطيل والشلل الشاملين أيضاً. والخير لقدّام.

فلِمَ لا يسأل رئيس الحكومة اللبنانيين، قبل سواهم، "ماذا فعلتم للبنان"؟ "ماذا فعلتم به"؟

وليكن السؤال موجّهاً الى المرجعيات، والقيادات، وأصحاب السطوة و"السلطة"، والذين يعرضون "لبنانهم" لخطر الانهيار، بل لأخطار لا تُحصى، ولا يجرؤ "مرجع" على ذكرها أو تسميتها.

فالسؤال لبيروت لا لنيويورك. والجواب في بيروت لا في نيويورك. و"المسؤولون" عن تفريغ لبنان وتعطيله يحظون برضا واشنطن، وعلى رغم ما يتعرّض له لبنان في هذه المرحلة من أخطار، فلم نسمع سوى صوت الرئيس فرنسوا هولاند الذي سمَّى الفاعل، وسمّى الجيرة وسمّى الحي، وسمَّى المعنيين في لبنان.

فماذا فعل اللبنانيون بلبنان، وماذا فعلوا من أجله؟