&عبدالرحمن اللاحم

تُوّج النجاح الباهر لموسم الحج لهذا العام؛ بنجاح أمني آخر بتفكيك مجموعة من الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم داعش والتي كانت تخطط لاستهداف مواطنين وعلماء دين ورجال أمن، وكانت تجهز لمجموعة من العمليات الإرهابية الكبيرة، لو تم بعضها لا سمح الله فإن نتائجها ستكون مرعبة على حياة الناس واقتصاد الوطن، ويمكن تصور حجم تلك العمليات من خلال كمية المتفجرات المضبوطة التي كانت كفيلة بإحداث هزة أرضية بقوة ٥.٥ كما صرحت بذلك وزارة الداخلية، إلا أن هذه العملية الأمنية الاستباقية تؤكد بأن الأجهزة الأمنية أصبحت تمسك بزمام المبادرة ولا تكتفي بردات الفعل، وذلك من خلال استباق أي تحرك إرهابي وتتبع الخلايا الإرهابية وتفكيكها قبل أن تقدم على تنفيذ عملياتها أو تجميع شتاتها، وهذا يسجل بكل فخر واعتزاز للجهاز الأمني السعودي الذي أصبح يمتلك احترافية عالية في مواجهة مثل تلك المجاميع الإرهابية التي يصعب ملاحقتها وتتبع مخططاتها في دولة تمثل قارة من حيث مساحتها كالمملكة، ويزيد الأمر تعقيدا أن لتلك الخلايا ارتباطات خارجية وشبكات إرهابية بالغة التعقيد يصعب تتبعها على طول هذا العالم وعرضه، كما أن الجماعات الإرهابية تجند أشخاصا غير مرصودين أمنياً وليس لهم سوابق أو سجلات أمنية من المراهقين الذين أصبحوا هدفا لداعش، مما يُصعّب عمليات التتبع والرصد، إلا أن رجال الأمن في المباحث العامة وقوات مكافحة الإرهاب استطاعت أن تخترقها بكل احترافية وتواجهها بكل شجاعة.

دور أجهزة الأمن ينحصر فيما يظهر على الأرض من تلك الحشائش السامة وليس من وظيفتها مكافحة التطرف الذي هو الوالد الشرعي للإرهاب، فكل إرهابي مر في مرحلة تشكل عقيدته الإرهابية على محطة التطرف حتى تعمق فيها وتشربها ثم انتقل إلى مرحلة تنفيذ تلك العقيدة على الأرض، فولج بوابة الإرهاب من أوسع أبوابها بعد أن دفعه إلى ذلك خطيب متطرف أو معلم في مدرسة ترك وظيفته في تعليم التلاميذ ليلقنهم عقيدة التكفير ويشبعهم بالكره والتطرف، لذا فإن مواجهة خطاب التطرف ومنظريه هي من مهام المؤسسات التعليمية والأجهزة الحكومية التي تشرف على الأنشطة الدينية، فلا زلنا نرى معلمين ومشرفين تربويين يجاهرون بخطاب متطرف تقشعر منه الأبدان، دون أن يكون لوزارة التعليم أي تدخل لإبعادهم عن فصول التلاميذ وعزلهم عن العملية التعليمية، وفي كل حدث إرهابي تتعالى التحذيرات والقلق على أطفالنا الذين ينفرد بهم أولئك المعلمون المتطرفون خلف الأبواب المغلقة دون أن نعلم أي منهج خفي يلقنونهم، وأي أفكار سوداء يبثونها لهم، والأمر نفسه في بعض المنابر المتشبعة بالتطرف والطائفية التي لا نعلم من الذي حصنها من المساءلة والملاحقة القانونية، وما الذي تنتظره وزارة الشؤون الإسلامية حتى تتحرك وتطهر منابرنا من هذا الغلو والتطرف. إذا لم تكن بقية أجهزة الدولة تتحرك بنفس الحيوية التي تتحرك بها الأجهزة الأمنية، فإننا سنظل ندور في دائرة مغلقة في مواجهة الإرهاب، فنقضي على الثمرة المسمومة ونترك جذور الشجرة ضاربة في عمق الأرض، لا نتجرأ على اجتثاثها وردم مستنقعات التطرف والغلو.