عثمان الصيني

في حدود الإضاءة الخضراء، تحدث الأمير محمد بن نايف موجّها ردا عمليا على الحملة ضد السعودية المنطلقة من نيويورك، ليبيّن بالوقائع والأرقام جهود المملكة في مكافحة الإرهاب.

منذ قمة الألفية التي نظمتها الأمم المتحدة لقادة العالم في الفترة من 6-8 سبتمبر عام 2000 بحلول القرن الميلادي الجديد صار من اللافت للمراقبين أن أحد أركان القيادة السعودية يلقي كلمة على منبر قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة كل 5 سنوات، بخلاف الكلمات التي يلقيها وفد المملكة برئاسة وزير الخارجية أو نائبه أو مندوب المملكة الدائم، وهي كلمات غير بروتوكولية وإنما تعد كلمات مفصلية في منظمة شاخت أنظمتها وتداعت الدول إلى إصلاحها، ولذلك جاءت كلمة الملك عبدالله حين كان ولياً للعهد عام 2000 صريحة بالتساؤل عن الأهداف النبيلة التي قامت عليها المنظمة وسلامة وصون تلك الأهداف ممثلاً على ذلك بعدد من القضايا، فميثاق الأمم المتحدة ينص على التسامح وحسن الجوار وقضية فلسطين مثال صارخ على انتهاكه، والميثاق يتحدث عن حقوق الإنسان، والمفهوم الإسلامي هو أن هذه الحقوق هبة من الخالق وليست شهادة حسن سلوك يقدمها بعض البشر، كما أن الجانب المشرق للعولمة يقابله جانب مظلم تمثل في غياب الانضباط والتحكم نجمت عنه حالات من عدم الاستقرار، سواء في الدول النامية أو المتقدمة.

وشددت كلمة الأمير سلطان بن عبدالعزيز عام 2005 على الحاجة لأمم متحدة فاعلة، وقادرة على النهوض بمهماتها في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والتنمية المستدامة في العالم، ودعا فيها الأمير سلطان إلى تشكيل فريق عمل لدراسة توصيات "إعلان الرياض"، بما في ذلك إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، حيث توفر الموافقة عليه تعاونا دوليا أكبر في محاربة الإرهاب الذي لا جنسية له ولا قومية ولا دين، كما دعا إلى تقوية المنظمات التابعة للأمم المتحدة وزيادة فعالياتها بما يتوافق مع تطلعات شعوبنا ضمن جهود إصلاح الأمم المتحدة، وكذلك توسيع مجلس الأمن، وتقييد حق النقض في المجلس، بألا يسمح به في القرارات المتعلقة بتنفيذ قرارات سابقة صادرة عنه، ودعا إلى استعادة الجمعية العامة صلاحياتها المقررة باعتبارها الجهاز الرئيس للمنظمة، كما أكد الأمير سلطان على أن احترام قرارات الشرعية الدولية هو السبيل لحل النزاعات الدولية، ومنها تأتي أهمية دعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط.

وإذا كانت الأمم المتحدة قد وافقت على اقتراح سموه بشأن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وتحقق التعاون الدولي في محاربته، وتطور الأمر أكثر في عهد الملك سلمان بإنشاء التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بأكثر من 40 دولة، فإن عدم موافقتها على بقية المقترحات أوقع المنطقة في ويلات وحروب كان يمكن تجنبها لو تم الأخذ بتلك الاقتراحات، فموضوع احترام قرارات الشرعية الدولية لحل النزاعات وتقييد حق النقض للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وإعطاء دور أكبر للجمعية العامة، لو تم تفعيلها لما تطورت الأمور في سورية وفلسطين واليمن وليبيا، بما في ذلك لجم التصرفات الإيرانية داخليا وخارجيا.

وجاءت كلمة الملك عبدالله التي ألقيت نيابة عنه في الاجتماع رفيع المستوى بشأن الأهداف التنموية للألفية في 20 سبتمبر 2010 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أوضح فيها إستراتيجية المملكة في تحقيق الأهداف التنموية للألفية قبل سقفها الزمني في 2015.
في عام 2015 لم يُلق أحد من أركان القيادة السعودية كلمة في الأمم المتحدة، لأن جلساتها تزامنت مع موسم الحج، والحج لدى السعوديين قيادة ومواطنين هو الفرصة السنوية لخدمة ضيوف الرحمن التي لا يمكن تفضيل أي شيء عليها مهما كان.

وجاءت كلمة ولي العهد الأمير محمد بن نايف، يوم أمس الأول في وقت مختلف وحساس إقليميا ودوليا، خاصة في أميركا وتحديدا في نيويورك، وبخلاف كل الكلمات السابقة لكلمة الأمير أو بيانه من رؤساء أو نواب الرئيس لكل من غانا وأوكرانيا وأفغانستان وغيرهم، جاءت كلمة ولي العهد قصيرة ومركزة ومتجهة إلى النقطة المراد الحديث عنها مباشرة، ولذلك كانت ضمن الوقت المحدد لكل دولة وهو 15 دقيقة، في حين أضاءت الإشارة الحمراء للمتحدثين السابقين، وتعبت من الوميض دون جدوى.

في حدود الإضاءة الخضراء، تحدث الأمير محمد موجّها ردا عمليا على الحملة ضد السعودية المنطلقة من نيويورك، ليبيّن بالوقائع والأرقام جهود المملكة في مكافحة الإرهاب، من خلال موقفها الصريح تجاه أحداث 11 سبتمبر، وعملها مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب، ومشروع مركز محاربة الإرهاب الذي انطلق من السعودية وتبنته الأمم المتحدة وتبرعها بـ110 ملايين دولار، والتحالف الإسلامي الذي ضم 40 دولة ضد الإرهاب وانطلقت مناوراته قبل أشهر في الشمال السعودي "رعد الشمال"، إضافة إلى 268 عملية كشفتها أجهزة الأمن السعودية ضد الدول الصديقة.

فلسطين واليمن والصراع في سورية وليبيا والعراق وإيران، حضرت في كلمة ولي العهد من منطلقين اثنين: سيادة الدول ووحدتها وحق شعوبها من جهة، ورفض الإرهاب سواء من الأفراد أو المنظمات أو الدول من جهة أخرى، إضافة إلى القضايا التي تبنتها الأمم المتحدة مثل: نزع أسلحة الدمار الشامل، وخلو المنطقة من الأسلحة النووية، وحقوق الإنسان، وخفض الانبعاث الحراري، والتنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة العام الماضي 2030 وتتناظر مع رؤية السعودية 2030.

ولئن كان الأمير محمد بن نايف قليل الظهور في المنابر والمحافل الدولية وقليل الحديث في وسائل الإعلام، فإن حديث الإنجازات الحقيقية التي تشاهد وتلمس على أرض الواقع حفرت اسمه محليا وإقليميا ودوليا في قضايا الأمن والأمان ومكافحة الإرهاب العولمي، ولذلك جاءت فقرات خطابه قصيرة وحاسمة ومباشرة، كالطلقة في حدود الوقت الأخضر الذي لا يحتاج إلى التنبيه بالإضاءة الحمراء، وقال كل ما يريد قوله في أقل من 15 دقيقة.