عادل الحربي&

استخدم باراك أوباما الفيتو الرئاسي لتعطيل قانون يجيز لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر مقاضاة الدول (JASTA).. تحليلات سطحية قالت إنه استجاب للضغوط السعودية.. من يصدق أن أوباما يمكن أن يغامر بما تبقى من ولايته وسمعته وأن يواجه الكونغرس والرأي العام الأمريكي في هذا التوقيت الحساس ويضع نفسه أمام إحراج احتمال تجاوز الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون لـ"فيتو الرئيس".. من أجل السعودية؟.&

الرئيس الأمريكي قال في رسالة إلى مجلس الشيوخ إن التوقيع على هذا القانون "سيكون له تأثير ضار على الأمن القومي للولايات المتحدة"، لكن ما لم يقله الرئيس ان مثل هذا القانون يمكن أن يجره هو والعديد من الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين إلى المحاكم.

&المملكة لم تعد معنية بمناورات المهرجين السياسيين منذ سقطت آخر أوراق الابتزاز وكشف البيت الأبيض عنها السرية لتثبت أن لا علاقة للحكومة السعودية بتلك العمليات الإرهابية، وإن ما أسموه العدل ضد رعاة الإرهاب ، وما يروج له مقدمو المشروع على انه انتصار للعائلات الأمريكية ضد السعودية؛ ليس إلا سقطة تشريعية مدوية تهدد بزعزعة القانون الدولي.

&

بالنسبة للمراقب العادي وأحيانا القانوني البسيط أو السياسي المبتدئ، قد يبدو كما لو كان تشريعا سينتهي بجني تعويضات ضخمة لعائلات أمريكية؛ لكن هذا التوصيف في الواقع لا يزيد عن كونه دراما هوليودية مبالغا فيها، لأن ماهو اعمق هو أن سيسمح للمواطن الامريكي بتقديم دعوى قضائية ضد دول ذات سيادة، وسيخلق "موضوع اختصاص" في محاكم الولايات المتحدة للنظر في الدعاوى المدنية ضد أي دولة ذات سيادة!!.&

وحتى لو اتفقنا على ان الدول صاحبة الحصانة السيادية ربما يجب ان تعترف أولا بـ (JASTA) لتكون طرفا في القضايا المنظورة، وأن أي قضية تنظر في تلك المحاكم ستبقى طويلاً بانتظار الحكم لصالح المدعي الأمريكي لتكون سابقة قانونية، إلا أنه يزيل قاعدة أساسية في القانون الدولي، وهو يضع دولا ذات سيادة تحت مفردة "المدعى عليه" و"المستدعى" و"المدعو" و"المتهم"، وربما يطلب من الدولة "المدعى عليها" الحضور للوقوف أمام القاضي الأمريكي، ويجيز إصدار حكم غيابي ان رفضت الدولة المدعى عليها الحضور للمحاكمة، وينذر بطابور طويل من سفراء العالم أمام المحاكم الأمريكية؛ حيث لن يجد أي سفير وقتاً للقيام بعمله الأساسي وسيقضي وقته متنقلاً من ولاية إلى ولاية ومن محكمة إلى محكمة!!.

&وفي حين انتقد الكثير من المختصين هذه المخالفة الصريحة لقانون حصانات السيادة الأجنبية الموقع من قبل الرئيس فورد عام 1976؛ اعتبرت هولندا وفرنسا أن ما يحدث يمثل تهديدا مباشراً من ناحيتين: الأولى انها قد تجد نفسها في لحظة ما مطلوبة للمثول في محكمة أمريكية ثم مطالبة بدفع تعويضات، وثانيا ان هذه البدعة ستخلق سعاراً دولياً للمعاملة بالمثل، حيث ستسن التشريعات التي من شأنها أن تسمح لأفراد رفع الدعاوى القضائية ضد مسؤولي الولايات المتحدة نفسها، وبالتالي تحويل الأمم المتحدة إلى مجرد مبنى لمزيد من "القلق"!!.

&وبينما يلوح العديد من الأمريكيين بالعلم الأمريكي متوهمين بأن هذه رسالة مفادها أن "الشر لا يسود" كما يردد بعض مهرجي البرلمان الذين اختاروا التوقيت بخبث (وقبل أقل من خمسين يوما على موعد الاستحقاق الرئاسي)، وأعادونا إلى قاعدة (معنا أو ضدنا)؛ (مع أهالي الضحايا أم مع السعودية)؛ فإن الرهان لازال على بعض الفعاليات السياسية والقانونية الأمريكية التي تعي حجم التداعيات على الساحة الدولية جراء هذا القانون؛ لتنوير غير المختصين والمواطنين في أمريكا بالنتائج الكارثية المحتملة.. والتساؤل عن من هم أصحاب المصالح الذين سيتحملون نفقات مثل هذه الدعاوى ضد السعودية مثلاً والتي قد تمتد لسنوات.. ومن سيتحكم بالعلاقات الخارجية الأمريكية في ظل هذا القانون؟.&

كما أن عوائل ضحايا ١١ سبتمبر يحتاجون لمن يشرح لهم بأنهم ربما ليسوا إلا سوقاً جديدة لجشع مكاتب المحاماة الأمريكية التي تعاني الركود.