&عبدالله خليفة الشايجي

لم أكن أدرك عندما كتبت مقالي في الأسبوع الماضي في «الاتحاد» تحت عنوان «مجدداً.. أميركا تتنكر لحلفائها»، حجم الغضب والانزعاج الذي يجيش في صدور حلفاء الولايات المتحدة من سلوكها، حتى تابعت خطابات بعض هؤلاء الحلفاء من على منبر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الحادية والسبعين، حيث سجل العديد من حلفاء واشنطن مثل بعض قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وبعض قادة الدول الأوروبية وتركيا، الكثير من العتب والانتقاد لإدارة الرئيس أوباما المودعة بعد أربعة أشهر.

وكما أشرت في مقالي الأسبوع الماضي فقد: «وصلنا اليوم إلى من يزايد أكثر؟ البيت الأبيض أم الكونجرس؟ ومن يتنكر ويستفز أكثر الحلفاء الخليجيين خصوصاً المملكة العربية السعودية؟! ويتزامن ذلك مع سياسة رفع اليد والانكفاء الأميركية في عهد الرئيس أوباما، ومزايدة الكونجرس في حملة الاستهداف لحليف موثوق كالسعودية. ما يزيد من هامش غياب الثقة ويعقّد العلاقة المرتبكة مع واشنطن ويمنع تحولها لعلاقة استراتيجية كما ترغب دول مجلس التعاون وتدعي واشنطن سعيها لتحقيق ذلك. كأن هناك حملة منسقة لاستهداف دول مجلس التعاون الخليجي».

وأن ينتقدك خصومك فهذا أمر بدهي ومكرر. ولكن أن ينتقدك حليفك في العلن، تلميحاً، أو مباشرة، فهذا يعني أن العلاقة ليست على ما يرام، وأنها بحاجة إلى إعادة نظر وتقويم. وهذا كان لسان حال العديد من قادة العالم، وحلفاء أميركا بالتحديد، خصوصاً العرب والخليجيين، حيث سمعنا خلال الأسبوع الماضي الكثير من النقد لإدارة أوباما وطريقتها في التعامل مع أزمات المنطقة.

واللافت أن معظم من وجّه سهام النقد من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة هم حلفاء واشنطن أكثر من غيرهم. كما خرجت خطابات قادة دول مجلس التعاون الخليجي وحلفاء واشنطن عن الشأن المحلي، وتناولت قضايا ضاغطة ومؤثرة إقليمياً، تمس الأمن القومي العربي والإسلامي، وتنتقد المواقف المزدوجة، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومأساة سوريا التي تُذبح والتي سماها الرئيس الفرنسي «الشهيدة» خصوصاً مدينة حلب المنكوبة والمحاصرة والنازفة، التي تتعرض لإبادة بشعة.

كما وجّه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف سهام الانتقاد إلى مشروع قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، الذي مرره الكونجرس الأميركي، حيث قال: «لقد أثار استغراب المملكة والمجتمع الدولي إصدار قانون في أميركا يلغي أهم المبادئ التي قام عليها النظام الدولي وهو مبدأ الحصانة السيادية، مما ستترتب عليه تبعات سلبية بالغة لن يقبل بها المجتمع الدولي». كما أكد أن السعودية تخوض حرباً لا هوادة فيها على الإرهاب.. وتعرضت لأكثر من 100 عملية إرهابية منذ عام 1992 انطلقت 18 منها من دولة إقليمية! قائلاً إن: «محاربة الإرهاب مسؤولية عالمية مشتركة تتطلب تضافر الجهود الدولية على جميع الأصعدة لمواجهته أمنياً وفكرياً ومالياً وإعلامياً وعسكرياً، ونؤكد أن ذلك يتطلب التعاون وفقاً لقواعد القانون الدولي والمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة وفي مقدمتها مبدأ المساواة في السيادة».

وقد كتبنا هنا مراراً عن الانكفاء الأميركي والتباين في الرؤى بين توجهات إدارة الرئيس أوباما خلال الأعوام الثمانية الماضية، حتى اليوم، خصوصاً في ظل ما تراه دول مجلس التعاون من تراجع الحضور الأميركي ليصل إلى درجة الانكفاء، مع تطمينات بلا ضمانات، وتباين واضح في الرؤى، خصوصاً بعد الاتفاق النووي مع إيران والتقارب الأميركي- الإيراني على حساب العلاقات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون، وغض النظر عن مشروع إيران الإقليمي وسلوكها -مع أذرعها وحلفائها- الذي يكرر أوباما باستمرار أنه يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكن دون أن يدفع ذلك إدارته، كما وعد، إلى التعامل بجدية مع هذا التحدي، وأيضاً على رغم تفاقم الحرب الباردة بين ضفتي الخليج بسبب سياسات وسلوك إيران وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية والعربية، وهو ما حذر منه جميع المتحدثين من على منبر الأمم المتحدة.

والسبب الرئيسي للغة النقد العلنية من حلفاء واشنطن هي حالة الإحباط من سياسات ومواقف إدارة أوباما. والخشية من استمرار نهج «الانعزالية الجديدة» والتوجه «النيو- انعزالي» مع الإدارة القادمة، ليصبح ذلك نهجاً وليس استثناءً! خصوصاً أن ما نشهده اليوم من حصاد استراتيجية سنوات أوباما العجاف كان حصاداً مراً وصعباً كما يتهمه بذلك السيناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين الذي هزمه أوباما في انتخابات الرئاسة عام 2008، وقد وصف الشرق الأوسط اليوم نتيجة لاستراتيجية أوباما بالحطام وقد خرج منه تنظيم «داعش» وخرجت فيه روسيا لتتنمر في سوريا، حسب تعبيره!

وكل ذلك نتيجة حسابات إدارة أوباما الخاطئة والتردد في الحسم في سوريا خاصة، وفي العراق، والتقارب مع إيران، وإيلاء ملفها النووي الأولوية على حساب الملفات المهمة الأخرى. وقد نتجت عن ذلك حسابات غير مدروسة، ما أطلق العنان لوحش الطائفية والتطرف، بشقيه السُّني -«داعش» و«النصرة» وغيرهما- والشيعي مثل «حزب الله» و«الحشد الشعبي» والتنظيمات الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها التي تقاتل في سوريا والعراق! ما أغرق المنطقة في المزيد من الفوضى والتقسيم والتشظي.