&عقل العويط

أسباب الخوف على لبنان كثيرة، ومتنوعة، خارجية وداخلية، إقليمية ودولية و... محلية. يهمّني في هذه المرحلة الدقيقة من أحوال الهشاشة الكيانية والوجودية، أن أعبّر بقوة عن الشعور بالخوف على لبنان من اللبنانيين أنفسهم، في غمرة ما يعتري المنطقة العربية، من مجهول الجغرافيا ومجهول المصير، وخصوصاً في سوريا والعراق. لماذا أخاف من اللبنانيين؟ لأنهم، على اختلاف أسبابهم وتوجهاتهم، لا يعيرون المصلحة الوطنية العليا أيّ اعتبار. هم يخافون على كينونتهم الحزبية، أو الفئوية، أو الطائفية، أكثر بكثير وكثير مما يخافون على لبنان الكيان، والوجود، والجمهورية.

سأضرب مثلَين خطيرَين، لكنْ واضحَين. الأول، استحقاق انتخاب الرئيس، والثاني استحقاق التوصل إلى قانون ديموقراطي للانتخابات. لا شيء يحول دون الانتهاء من هذين الاستحقاقَين... إلاّ الأنانيات والحسابات الفئوية.

لا أحبّ استخدام التعابير التي تنطوي على "التحدّي"، لكني "أتحدّى" مكوّنات الطبقة السياسية الفاسدة برمّتها، ولا استثناء، بالسؤال الآتي: مَن من هذه المكوّنات يجرؤ على القول إنّه "يقدّم" هاتين المسألتَين الوطنيتَين على مصلحته الخاصة؟ الكل يجرؤ بالتأكيد، والكل يتبارى بالتأكيد، والكل يتفاصح، ما شاء الله. ولنا في الإعلام الحزبي المخيف والرهيب والداعر، خير برهان.

لكن الجواب الديماغوجي المبسّط لا يكفي، وهو، على كل حال، لا ينطلي على أحد، فكيف ينطلي على الحالمين الأنقياء الملدوغين، والمصابين بـ"مرض لبنان"!

لا أساوي بين الأطراف اللبنانيين في موضوع الخوف. لكنهم جميعاً متورّطون، بنسبةٍ أو بأخرى. مرةً ثانيةً، أقول: لا أستثني طرفاً من هؤلاء. هاكم الجميع: أخاف أولاً من مشروع "حزب الله". ثم أخاف من جموح المطامح لدى القائد الأعلى لـ"التيار الوطني الحرّ"، ولصغائر قيادته السياسية الهزيلة. وأخاف من الباقين بالتأكيد: "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، "حزب البعث العربي الاشتراكي"، حركة "أمل"، "حزب الكتائب اللبنانية"، "تيّار المردة"، "الحزب الشيوعي اللبناني"، "تيار المستقبل"، "الحزب التقدمي الاشتراكي"، "حزب القوات اللبنانية"...

ممّن أخاف أيضاً؟ أخاف أولاً وأخيراً من الجماعات التكفيرية. وأخاف من الملتحقين بهذا الطرف، أو بذاك. وأخاف من الطفيليين، وأخاف أيضاً من الذين لا يخيفون أحداً. لكني لا أخاف من الصامتين، ولا من السياسيين المدنيين، ولا خصوصاً من المدنيين، ولا من تعدّد اتجاهاتهم وهيئاتهم. أخاف فقط على تشتّتهم، على عدم تبلور رؤاهم، وعلى تضخّم الخسّة في رؤوس بعضهم. هؤلاء يحتاجون إلى وضع استراتيجيا رؤيوية، نظرية، مدروسة، متأنية، موضوعية، ومتواضعة، مقرونة باستراتيجيا تطبيقية، تتميز بسعة الصدر، والرحابة، وبعد النظر، و... الديموقراطية. هذه الحاجة فورية، وداهمة. لماذا؟ لأن الخوف من اللبنانيين فوريّ وداهم!