عبدالله بشارة&

في حفل تميز بأبهة قياصرة روما، وفي أجواء تسيدتها ترتيبات تعاقبت عليها شخصيات عبر أجيال منذ أكثر من خمسمئة سنة، وفي قاعة استولى عليها الصمت، اصطف المتبرعون، ومنهم السيد عبدالعزيز سعود البابطين، حيث قدمه المتحدث العام للاحتفال إلى رئيس جامعة اكسفورد، قائلاً:

«لقد قام السيد البابطين بتقديم تبرع سخي ليكون بمنزلة وقف لدعم كرسي لوديان للدراسات العربية، يعرف هذا الكرسي الآن باسم كرسي عبدالعزيز سعود البابطين ــ لوديان للدراسات العربية».

«هذا الكرسي هو أقدم كراسي الدراسات العربية وأكثرها شهرة في البلاد الناطقة باللغة الانكليزية».

«قام السيد ويليام لود بتأسيس هذا الكرسي في عام 1636، وكان يشغل السيد لود وقتذاك منصب رئيس جامعة اكسفورد ورئيس أساقفة كانتبري».

«لطوال حوالي أربعة قرون ظل هذا الكرسي أكثر الكراسي تأثيراً في اكسفورد في مجال تدريس اللغة والأدب والثقافة العربية».

ويقف المتحدث العام بعد هذه المقدمة التاريخية، ويرد رئيس الجامعة، وهو وزير سابق، وآخر حاكم لمستعمرة هونغ كونغ، بكلمات لاتينية يتوارثها رؤساء الجامعة في مثل هذه المناسبة:

«أنت صديق مميز لهذه الجامعة، أضع اسمك ضمن قائمة المحسنين».

ونتوجه بعد ذلك إلى حفل عشاء ملوكي جمع الأناقة مع الاتقان.

ذهبنا بدعوة من المحسن الكبير عبدالعزيز البابطين إلى جامعة اكسفورد، نشاهد خطوات تحويل كرسي اللغة العربية في جامعة اكسفورد، وفي كلية سانت أنطوني، إلى كرسي عبدالعزيز البابطين، بعد أن احتكره المؤسس ويليام لود، في تعبير عن إيمان المتبرع بتأمين مسيرة مستقبلية دائمة لتعليم اللغة العربية وثقافتها في أعرق جامعات العالم، مدفوعاً بنزعة وفاء لتربة وطن ابتسمت له ولبيئة حكم احتضنته وشجعته، ولمجتمع أحاطه بالمودة، وباعتزاز بثقافة استوطنت مشاعره وترسخت في عروقه.

كنا مجموعة صغيرة، تواجد فيها سفير الكويت في لندن، وصديق المجموعة سامي النصف، يطغى علينا السرور، ويشدنا التقدير الكبير الذي أظهرته جامعة اكسفورد ورجالاتها للمبادرة ولصاحب المبادرة، مع اعجاب بدقة الترتيبات، واحترام الأبهة المناسبة.

لم يكن عبدالعزيز البابطين حوتاً مالياً ينساب الذهب بين أصابعه، ولم يكن من هواة تكديس المال، وليس عضواً في لائحة كبار الأثرياء، رغم تصورات من يقف على عطاءاته المتنوعة في موضوعاتها وفي جغرافيتها، بأنه مالك لمنابع مال لا تجف، لكن الواقع أنه عاشق الثقافة ومفتون بدورها في ترابط الشعوب، ومؤمن بأن اتساع جسورها يزيد العرب تشابكاً، ويمنحهم القوة لتجاوز خلافاتهم، ويأخذهم إلى أجواء التفاهم، وقد يسود، عبر الثقافة، الود بينهم.

شاهدته في مؤتمر في مراكش منذ عامين، محاطاً بالمفكرين العرب يتسامرون، بالفكر، ويتبارون بالشعر، تأخذهم الحمية لنسيان الخلاف فيما بينهم، ولردم المسافات التي تبعدهم.

أجزم بأن هذا الوله بالعطاء المتدفق الجامع، لكل الألوان من أفكار العرب السياسية والشعرية، يأتي من التفاؤل بأن غد العرب أفضل من حاضره، لأن فيهم من يعطي منتعشاً بالأمل المستقبلي.

نستمع إلى مداخلته في شكره للمنظمين، مرددا على الدوام بأن الكويت سباقة، فأميرها قائد للانسانية وأهلها أوفياء لمعانيها.

أكتب عن قناعة بضرورة توصيل أخبار الاحتفال إلى الرأي العام في هذه المنطقة، فمن الانصاف أن يتم التبليغ عن خطوة ثقافية انسانية فكرية يزرعها هذا المواطن الكويتي في بطن أعرق جامعات العالم، مسجلاً الايمان بدور دبلوماسية الثقافة في تشابك الشعوب.

وصاحبنا من أكبر رواد الدبلوماسية الثقافية، التي رسم قواعدها منذ زمن، وترجمها في مبنى مكتبة البابطين، أبرز مواقع العاصمة، ويثريها دائماً بالجديد والنادر من روائع الفكر.

نهنئ المتبرع عبدالعزيز البابطين بحصوله على ذهبية اكسفورد.

&

&