&سمير عطا الله&

أراد إريك بلير أن يدوّن تجربته المحزنة والداكنة في كتاب، أو بالأحرى في كتابه الأول: «مشردًا وبائسًا في باريس ولندن». غير أنه فكر في اللحظة الأخيرة بأن ذلك قد يحرج والديه، اللذين رغم فقرهما، ينتميان إلى الطبقة الراقية التي حط بها الدهر.

كيف سيشعران وابنهما يروي حكاية التشرد والبؤس في فندق باريسي أسرَّته مليئة بالحشرات؟ ولكن أيضًا كيف يمكن أن يترك هذه التجربة الإنسانية العميقة تمر دون تدوين؟

وجدها: ينشر الكتاب، ولكن باسم مستعار، ومن دون أي تفكير اختار لنفسه الاسم الذي سيصبح أشهر اسم أدبي بريطاني في القرن العشرين. ومن دون أن يدري، حرم عائلته من الشهرة والاعتزاز، وعاش حياة مزدوجة. ففي المجتمع، كان جورج أورويل، وفي صداقاته كان إريك بلير. وبهذا الاسم ظل يوقع رسائله طوال حياته، وأحيانا باسمه الأول، إريك.

كذلك عقد زواجه الأول باسمه الأصلي. وعندما طارت شهرته، وكثرت مضايقات الازدواجية عليه، أراد العودة إلى اسم بلير، لكنه اكتشف أن المعاملات القانونية من أجل ذلك سوف تكون شديدة التعقيد، فتخلى عن الفكرة، وعقد زواجه الثاني تحت اسمه المستعار الذي أصبح أهم آلاف المرات من الاسم الذي ولد به.

كثيرون لعبوا «لعبة الاسم المستعار»، وكانت الأسباب مختلفة. الفرنسي رومان غاري وقع باسمه، وباسم إميل أجار، وفاز بالجوائز الأدبية بالاسمين. والبعض وجد أن اسمه ضيقًا عليه، فطلب الشهرة تحت لقب كـ«الشاعر القروي». ورأى الشاب الناشئ بشارة الخوري أن يلفت الأنظار، فسمى نفسه «الأخطل الصغير»، تيمنًا بالأخطل الأصيل في العصر الأموي الذي كان زميله همام بن غالب يلقب بـ«الفرزدق» لضخامة وجهه وتقطيب حاجبيه. واستخدم عبقري فرنسا، فولتير، 162 اسمًا مستعارًا شغل بها بلاده، ومن بعد، شغل بها آداب وسياسات العالم.

ظل أورويل في كل ما كتب أديبًا لا يفصح عن وجدانياته. وباستثناء الكتاب الأول، لا اعترافات على طريقة جان جاك روسو، أو همنغواي. دائمًا الحديث عن أشخاص وأحداث خارج الذات. حتى في مفكراته الشخصية، لم يدون شيئًا شخصيًا. دائما الأحداث والآخرون. وذات مرة، كتب: «عشت من دون طفولة تذكر. وما دمت أكتب، فسوف أظل أكتب عن حبي للأرض، وعن الأشياء، وعن المعلومات التي لا أهمية لها».

&&