&علي القاسمي&

&بدأت في العنوان بمفردة «فجائية»، وانتقيتها بعناية بعيداً من التوقف مع سيل التوقعات الجاري طوال الأشهر الماضية من المحللين والاقتصاديين عن المأمول والمتوقع، إثر التخلي عن النفط بصفته مصدر دخل ثقيل ومباشر، سَكبُ 10 توقعات وحدوث اثنين منها يدخل في خانة الفجائية أكثر من أي خانة أخرى، ويقبع بالضبط في حضن «التخليل»، وهي كلمة مبتكرة أصف بها كل طرح يكون ما بين الخلل والتحليل.

أسطر طفيفة كانت في خانة المتوقع، في حين أن كثيراً من قرارات ما قبل يومين لم تكن على بال محلل ولا مهتم في الشأن المالي المحلي أو المالي الاجتماعي، ومنذ زمن لم تأخذ قرارات سعودية هذه الحماسة الاجتماعية، وتتبعها محاولات جادة للخروج بهدوء من أي إرباك يمكن أن تحدثه مثل هذه القرارات، ومن ثم البدء في خطة عاجلة فردية كانت أو جماعية، لإعادة الحسابات وتقليص ما يمكن تقليصه من المشاريع الشخصية المصغرة للإنفاق وكيفية توزيع الدخل.

هذا التباين المحلي في تناول الجديد من القرارات هو تباين حتمي الحدوث، ولا يجب أن يؤخذ في عنوانه الأبرز على أنه استياء أو شعور مائل نحو رغبة عليا في معالجة آثار لم نذهب لتداعياتها لكنها أتت إلينا، وقد يكون لانعدام القدرة على الفهم أو المضي نحو شيء من التفاصيل على وجه السرعة دور في الدخول في أسئلة لماذا؟ وكيف؟ وإلى متى؟ وهي أسئلة طبيعية جداً لمجتمع اعتاد أن يمضي من دون عبث وإزعاج التفكير في مناطق الاحتمال والممكن والتدقيق في الواقع والاستسلام لحتمية أن يكون ثمة تغيير يمسه في ما آمن به، كشرايين حياة أو مصاريف دخل.

من أكثر المساحات التي توقفت عندها مساحة السخرية اللاذعة التي يتمتع بها مجتمعنا وجاهزيته للهطول في أي مربع متاح للبوح والتنفس وتنوع زواياه في هذا الشأن، فبالكاد أن تسيطر على هذا التنوع والخليط المتوافر بين الحدة والجدية، ولعل هنا مكان مناسب للراغبين والمتعطشين لسبر أغوار البحث في سر تنامي الرصيد الاجتماعي في زوايا ماتعة أو ممتلئة بالضجيج كهذه.

لو لم يكن من ميزة لهذه القرارات من ملفات البوح الساخر إلا أن يعرف كم هو راتب الوزير بلا جدل؟ ويطرح بالضبط راتب عضو مجلس الشورى بعد كثير من حلبات المصارعة، حول امتيازاته تلك التي يرى أفراد من مجتمعي أنه لا يستحقها، نظير ما يقدمه ويهتم ويطل به بعض أعضاء هذا المجلس بين حين وآخر، ومن هذه الامتيازات أيضاً أن نقرأ في مربع واحد مختصر هذه المعلومات المهمة: (شكلت مخصصات الرواتب والبدلات وأجور العمال العام الماضي نحو 38 في المئة من موازنة الدولة، 408 بلايين رواتب موظفي الدولة في 2015 والبدلات 79 بليوناً، عدد موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري نحو 3,32 مليون موظف بنهاية 2014، عدد موظفي الخدمة المدنية بنهاية رمضان 1436هـ 1,26 مليون موظف ومستخدم)، فيما يمكن حصر استخلاص امتيازات الملف الجاد في خوض تجربة سعودية حديثة لسياسة التقشف أو الترشيد ولكلٍ رغبة في التعبير والميل لما أضيف للسياسة - كمضاف ومضاف إليه - والعيش على حصاد بحر التوقعات ومتابعة مجريات المقبل من الأيام بكثير من التوجس وقليل من الهدوء، فالتغيير عادةً يحدث الخوف على رغم ما يُعمل لإشعال نيران التفاؤل وهي المنعطف من الحكاية برمتها.