محمد السلمي&&

إذا كان النظام الإيراني في ظل إدارة روحاني حاول التسويق لقناع مبتسم ودبلوماسي موجه للدول الغربية، فإن دول المنطقة العربية عانت من الوجه الحقيقي لنظام ولاية الفقيه المتعطش للدماء

مع إعلان حسن روحاني عن ترشحه للانتخابات الرئاسية في إيران بداية عام 2013، أخذ الإعلام الغربي وجانب من الإعلام العربي يتحدث عن إمكانية وصول رئيس معتدل إلى رأس هرم الحكومة الإيرانية، بعد محمود أحمدي نجاد الذي كان يصنف بالثوري الراديكالي. وقد زادت وتيرة لغة التبشير والترويج لروحاني بعد فوزه في الانتخابات وتسلمه المنصب رسميا في بداية شهر أغسطس 2013، وتركيزه في تصريحاته الإعلامية على ضرورة تحسين العلاقات بين إيران ودول العالم والمنطقة تحديدا، والسعودية على وجه الخصوص، وأن ذلك من أولى أولوياته.

ولأسباب كثيرة كنت منذ البداية غير متفائل بكل ذلك، وتحدثت في عدة مقالات ومقابلات تلفزيونية عن أن إيران لن تتغير سياسيا، بقدر ما ستحاول الخروج من المأزق الاقتصادي الذي تمر به حينها - وما زالت- في ظل فقدان العملة العملية قرابة %70 من قيمتها أمام العملات الأجنبية، وارتفاع نسب التضخم والبطالة إلى معدلات عالية جدا. حالة عدم التفاؤل تلك ليست مرتبطة بشخص روحاني، بقدر ارتكازها على فهم طبيعة النظام الإيراني الذي يعتمد في المقام الأول على سياسة إشغال الداخل بمشكلات الخارج، وإطالة عمر النظام عبر استراتيجية الهروب إلى الأمام الواضحة المعالم لكل من يتابع بدقة تعاطي طهران مع الأوضاع الداخلية والتطورات الخارجية.

مع مرور الأشهر اتضح أن الفترة الرئاسية الجديدة التي وصفت بـ"المعتدلة " أكثر سوءا من سابقتها، وأن روحاني لم يلتزم بوعوده على المستويين الداخلي والخارجي فقط، بل إن الأوضاع زادت سوداوية، حيث زادت وتيرة التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العربي، وصدرت إيران مزيدا من أدوات القتل والخراب والدمار إلى المنطقة، وأصبحت أكثر جشعا في تطلعها نحو خلق مزيد من التوترات في دول الجوار، وتجاهل مطالب الداخل والإخفاق في تحقيق تطلعات الشعب الذي يتوق إلى تحسين مستواه المعيشي، وانتزاعه من حالة البؤس والفقر والبطالة وتضخم الأسعار الذي يضرب كافة المدن الإيرانية.

من تابع تصريحات روحاني، قبل عام ونصف على أقل تقدير، يدرك جيدا أن الترويج لرئيس معتدل ما هو إلا خديعة كبرى لتمرير مشروع ضخم تجاه المنطقة، وأن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" الذي وصف بأنه مرتبط بالبرنامج النووي الإيراني فقط ولا علاقة له بسلوك طهران العدواني في المنطقة، ليس إلا جزءا يسيرا من ذلك المشروع.

قبل بضعة أيام حضرت ندوة في مقر المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والدولية&& (CSIS) في العاصمة الأميركية واشنطن، وناقش المتحدث الرئيسي وهو عضو سابق في المفاوضات النووية مع إيران وأستاذ جامعي بجامعة كولومبيا، تعقيدات الاتفاق النووي، والصعوبات التي واجهت الفريق المفاوض، وأصر على أن المفاوضات لم تتطرق لأي ملف غير الموضوع النووي. أيضا كان يصف الرئيس روحاني بالشخصية المعتدلة، وزعم أنه إذا ما فاز روحاني بفترة رئاسية ثانية فإن سلوك إيران في المنطقة سيتغير ويكون أقل عدوانية خلال العامين التاليين لإعادة انتخابه.

دار كثير من النقاش بيني وبين المتحدث فوضحت أن هذه الوعود لم تعد تجد زبائن في المنطقة، وأن الوجه الحقيقي لروحاني بدا أكثر وضوحا، وتجلت لغته العدوانية التي لا تختلف عن لغة أحمدي نجاد إلا أنه لم يهدد بمسح إسرائيل من الخارطة خلال كلمته الأخيرة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة. كذلك تطرقت لعدة نقاط تبين ضعف الاتفاق النووي، وعدم قدرته مطلقا على تعقب المراوغات الإيرانية، وسألته: ما هي الخطوط الحمراء التي تضعها الولايات المتحدة الأميركية عند تعاملها مع الحالة الإيرانية، سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووي أو سلوك طهران في المنطقة؟ فلم نجد إجابة شافية لذلك، ثم ارتسمت ابتسامة صفراء على وجوه عدد من الحضور.

خلاصة القول، لا يزال الترويج الغربي لحكومة روحاني مستمرا وقد دخل الآن مرحلة الترويج لإعادة انتخابه، وبخاصة أنه لا يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران سوى بضعة أشهر، لكن ما تنتظره دول المنطقة من الجانب الإيراني هو تغير حقيقي، وليس إعلاميا، "حتى وإن كنّا قد فقدنا حتى التغير الإعلامي" في السلوك العدواني لنظام ولاية الفقيه، وإيقاف تدخلاته في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. إذا كان النظام الإيراني في ظل إدارة روحاني قد حاول التسويق لقناع مبتسم ودبلوماسي موجه للدول الغربية، فإن دول المنطقة العربية قد عانت - ولا تزال - من الوجه الحقيقي لنظام ولاية الفقيه المتعطش للدماء، وزرع الطائفية، ودعم الإرهاب، وتصدير مشكلاته للخارج. وبحكم الواقع الجغرافي فإن المعاناة لدول المنطقة من الوجه الحقيقي، بينما الغرب يسوق للقناع ويحاول أن يقنعنا بأنه حقيقي أو مشروع لوجه حقيقي، لكن ما لم يثبت النظام صدق نواياه فإن صورته لن تتغير لدى شعوب المنطقة، وسيبقى منبوذا إلى الأبد.

&