حسين شبكشي

عام جديد دخل علينا وسط أجواء مضطربة ومقلقة بحسب أقل وصف ممكن لها. في نظرة سريعة «لنوعية» التحديات التي تواجهها الحكومات العربية اليوم من المألوف جدًا متابعة طرح كلمات من نوع البطالة ومكافحة الإرهاب ومقاومة التشدد والتطرف والنمو السكاني والحرب على الفساد ومقاومة الفقر والقضاء على الأمية ومواجهة التضخم... وهي كلها كلمات مهمة ومفهومة تجسد طبيعة التحديات الحاصلة والقائمة في المنطقة. إلا أن التحدي الأهم الذي لا يلقى القدر الكافي من الاهتمام هو صناعة الأمل، فإذا أخذناها من باب الحكم عليها كسلعة فيبدو أن بها «نقصًا حادًا جدًا».
المنطقة العربية بها نقص في الأمل. وأمة بلا أمل من الصعب أن تبرز وتتألق وتبدع وتنتج وتستثمر، إذ يبدو جليًا أنه لم يتم بحث نسبة غياب «الأمل» في أذهان وقلوب الشباب والكبار في العالم العربي، وهو الذي يزداد تأييدًا بأرقام الهجرة واللجوء لكل أنحاء العالم بأعداد مهولة لا تتوقف، وكذلك الغياب المتزايد من الاستثمارات المحلية والعالمية الكبرى المؤثرة في المنطقة بشكل أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه مثير للخوف والقلق في نفس الوقت.
إذا كانت مبادرات ووزارات ولجان السعادة مطلوبة فالاهتمام بالأمل ضرورة قصوى. هناك عدد لا بأس به من الدراسات ومؤشرات الرأي في العالم الصناعي تؤكد أهمية مواكبة ارتفاع مؤشرات الأمل في صفوف الشباب مع الإنتاج والإبداع، وهي النقطة التي استغلها بذكاء وعبقرية الرئيس الأميركي باراك أوباما في حملته الرئاسية الأولى التي كان شعارها «الأمل نعم نستطيع» وانتصر وقتها بقوة واكتسح نتيجة الانتخابات بشكل مذهل. فهو لعب على نغمة الأمل والبحث عنه. والسخرية الشديدة والزائدة الملحوظة في قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي هي في علم النفس وسيلة للتعبير عن القلق والخوف وفقدان الأمل فيما هو آت.
صناعة الأمل لها أسس، وقد أنجزتها أمم قبلنا بكل نجاح. فاليابان وألمانيا هزمتا في الحرب العالمية الثانية وتم كسر الاقتصاد والروح فيهما، وأعادتا صناعة الأمل لشعبيهما وقامتا بإعادة هيكلة المجتمع بكامل أسسه ومقدراته بشكل عميق وفعال وتم لهما ما أرادتا، وتحولتا إلى قصة نجاح عظيمة. وما حصل في اليابان وألمانيا حصل في الولايات المتحدة الأميركية بعد الكساد الاقتصادي الكبير في سنة 1929، فكان على الرئيس الأميركي حينها فرنكلين روزفلت أن يستنهض شعبه ومقدراته من تحت الصفر ونجح بالأمل في إحداث أهم تحول في التاريخ الاقتصادي الأميركي.
صناعة الأمل ليست مجرد شعارات جوفاء ولكنها سلسلة من المشاريع العريضة والتشريعات الحقيقية التي تحدث وبشكل ملموس نقلة نوعية في الحياة الكريمة للمواطن، ووقتها تتحرك إلى شرارة إنتاج وإبداع قادرة على تحريك خيال وصناعة حاضر مبهر.
صناعة الأمل يجب أن تكون هدية العام الجديد.