أمين ساعاتي

من المؤسف والمؤلم أن قضية الأمن القومي العربي لم تعد تشغل الحكومات العربية الآن، بل لم يعد الأمن القومي العربي يحتل الخيارات الأولى في أجندة الحكومات العربية، وما نلاحظه على الساحة العربية أن كل دولة عربية تتغنى بأمنها الوطني، وكل دولة عربية تشعر أنها في مرمى الخطر بعد أن اتسعت رقعة الإرهاب في كل الدول العربية تقريبا.

وإذا تفقدنا وضع جامعة الدول العربية في ضوء الواقع المؤسف والمؤلم الذي يعيشه عالمنا العربي، نجد أن الدول العربية الأعضاء تتحرك في الاتجاه الذي ينهي بل يلغي الجامعة العربية، وإلغاء الجامعة العربية خسارة لكل الدول العربية التي لم تدرك خسارة إلغاء الجامعة العربية، فالجامعة العربية تحافظ على الحد الأدنى من المصالح العربية المشتركة، واجتماعات الوزراء العرب - كل فيما يخصه - يتيح الفرصة أمام كبار المسؤولين العرب للعمل على الحفاظ على اللحمة العربية!

يجب ألا يغيب عن بالنا أن هناك كثيرا من القضايا العربية المعلقة بسبب الانتماء إلى الجامعة العربية، وإذا ذهبت الجامعة، فإن الغطاء العربي سيذهب، والخلافات على الحدود الدولية بين الدول العربية ستتفجر، كما أن الخلافات على الثروات الطبيعية في باطن الأرض وفوقها ستدفع الدول التي لم تعد شقيقة إلى صدامات مسلحة وغير مسلحة!

والحقيقة أن المد الإيراني يلعب الدور الرئيس في بعثرة التضامن العربي ونشر الإرهاب في كل الدول العربية، وهذا ما رأيناه في سورية ولبنان والعراق واليمن، بل نستطيع القول إن إيران الفارسية نجحت في تفكيك اللحمة العربية، ومع ذلك تسعى بعض الدول العربية إلى تحسين علاقاتها مع إيران على حساب دول عربية أخرى رغم أن إيران تخترق وتنتهك الأمن القومي العربي في أربع دول عربية، وهي - كما ذكرنا -: سورية ولبنان والعراق واليمن.

والمؤسف أن كثيرا من الدول العربية الموقعة على ميثاق جامعة الدول العربية تنصلت من التزاماتها بمواد الميثاق، وبالتالي أصبح الأمن القومي العربي لا يعنيها من قريب أو بعيد!

في ميثاق جامعة الدول العربية نص واضح يقول إن أي اعتداء على أي دولة عربية اعتداء على كل الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية، ومنذ أكثر من 50 عاما وهناك قرار اتخذه المجلس الوزاري العربي بتشكيل قوة عسكرية عربية ضاربة لحماية الدول العربية من التهديدات الخارجية التي تهدد حدودها الإقليمية.

إيران اقتحمت حتى الآن حدود أربع دول عربية، وهي لبنان وسورية والعراق واليمن، ثم أخذت تتهدد مجموعة أخرى من دول الخليج، الكويت والبحرين، وقبل ذلك احتلت ثلاث جزر للإمارات، وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى.

ورغم كل ذلك فإن بعض الدول العربية، تسعى إلى تحسين علاقاتها مع إيران رغم أن إيران هي التي دبرت مؤامرة قتل رئيس مصر محمد أنور السادات، وهي التي أطلقت اسم منفذ العملية الإرهابية التي انتهت باغتيال الرئيس المصري أنور السادات على أحد أهم شوارع العاصمة طهران.

إن السياسة المصرية طوال فترة الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك كانت سياسة تصادمية مع إيران ولم تكن العلاقات المصرية الإيرانية طوال ما ينوف على الـ60 عاما علاقات طبيعية مستقرة، رغم أن السادات حاول تطبيع العلاقات مع إيران في عهد الشاه إلا أن جهوده لم تستمر طويلا، لأن السياسة الإيرانية سياسة ذات أطماع فارسية بمخالب شيعية مغرضة، وهي سياسة تتعارض مباشرة مع المصالح العربية العليا.

وبمعيار المصالح الوطنية، فإنه لا يوجد مبرر واحد يعطي الحكومة المصرية حق تحسين علاقاتها مع إيران على حساب علاقاتها مع كثير من الدول العربية الشقيقة.

وفي ضوء تاريخ العلاقات العربية - الإيرانية أو المصرية - الإيرانية.. لا يوجد مبرر واحد يعطي الخارجية المصرية السعي إلى تحسين وتطبيع علاقاتها مع إيران.

وبحساب الأرباح والخسائر مرة أخرى، فإن مصلحة مصر مع حتمية تحسين علاقاتها مع الدول العربية، لأن خسارتها لها ستكلفها كثيرا، بينما تحسين علاقتها مع إيران لن يحقق لها مكاسب تذكر، بل ستنتشر الحسينيات في حواري وشوارع كل المدن المصرية لبث الفتن الطائفية في الشارع المصري.