سمير عطا الله

من كان شخصية العام 2016؟ «التايم» صاحبة أشهر تقليد في هذا الحقل، اختارت دونالد ترامب: رجل مِن لا مكان سياسي، يُنتخب لأهم منصب سياسي في الغرب، وربما في العالم. ولكن ما هي المقاييس في اختيار «شخصية العام»؟ هل هو الأقوى؟ الأكثر حكمة؟ الأهم أداء؟ الأجدى نفعًا؟ أم الأكثر مفاجأة وإدهاشًا مثل ترامب؟
في بداية عهده، وقبل أن يحقق أي شيء، وعلى قاعدة علَّ وعسى، (عين يا عين) أعطيت «نوبل السلام» لباراك أوباما. وانتهى عهده، بعد ثمانية أعوام، من دون أي سلام في أي مكان، خصوصًا في ما هو معني. فالسلام شجاعة أكثر من الحرب. ومسؤولية أكبر بكثير من قرار الحرب. وأوباما لم يسدد لجائزة نوبل أي قسط من الأقساط المترتبة. لكن إذا كان للجائزة شروط أخرى، فلا شك أنه أوفى بها: ترامب لم يكن ليصل إلى الرئاسة رافعًا كل شعارات التحدي لولا رخاوة وعجف السنوات الثماني. وفلاديمير بوتين لم يكن ليظهر كأقوى رجل في العالم لولا انكفاء باراك أوباما. جميع خطواته كانت إلى الوراء. فهل بوتين إذن هو شخصية العام؟ منذ نيكيتا خروشوف، كان يحضر القمة الدولية في باريس، أو القمة الثنائية مع كيندي في فيينا، ويبدو على أنه الأول بين الكبار. بوتين أعاد لروسيا هذا المقعد بعد سنوات طويلة من الهزال والضعف: آخر سنوات بريجنيف، ثم سنوات الضياع المتلاحقة من بعده، ثم تيه غورباتشوف، ثم ضمور يلتسين. لعب بوتين منذ اللحظة الأولى، لعبة العظمة، بمعنى القوة، وكسبها. درس، مثل كل ضابط مخابرات، ضعف خصومه وراح يحاصرهم. بالوهم، لا بالحقيقة. رأى في البيت الأبيض رجلاً لم يتخذ قرارًا واحدًا في كل عمله السياسي، كما رأى في أوروبا قارة مترهلة تحاصرها الهموم والمخاوف من حروب جوارها العربي. ورأى أنها الساعة المثلى للانتقام من إهمال روسيا والتكبر عليها.
وراح على هذه العناصر يحيك عالمه. يبعد أو يستبعد أميركا من محادثات سوريا، ثم ينقل المفاوضات من جنيف في أوروبا إلى آستانة في آسيا. والصين من خلفه تصفق وتبتسم. هذه عوائد وفوائد السنوات التي قضاها في برلين الشرقية، يراقب الخطوط الحمر والصفر والضوء الأخضر بين الشرق والغرب.
الضابط السابق يعرف مدى فعالية ألعاب الخفة. ويعرض على المسحورين والمفاجئين قبعات وأرانب بلا نهاية. وفجأة رفع أمام أوباما قبعة على الطاولة، فإذا هي تخفي صداقته مع ترامب. وإذ ترامب له لكنة روسية كانت فيما مضى تعادل تهمة الخيانة. لاعب شطرنج روسي، الرفيق بوتين. وصاحب قبعات وأرانب. وها نحن ندلف إلى العام 2017 وأعيننا على غلاف «التايم» بعد عام.