محمد السلمي

يحتاج محور الموصل-حلب إلى إعادة بناء من خلال دعم الثوار المعتدلين في سورية، وتطهير الموصل من ميليشيات قاسم سليماني، وقطع الطريق على إيران، ثم محاصرة ذراعها في الضاحية الجنوبية

يُولِي النظام الإيراني مدينتي الموصل العراقية وحلب السورية في الوقت الراهن أهمية قصوى، ويرى في السيطرة عليهما وابتعادهما عن المحور المضاد أولوية إستراتيجية لمشروعه تجاه المنطقة العربية، وتمهيد الطريق باتجاه لبنان والبحر الأبيض المتوسط، إذ يتحقق الخط البري الذي يربط إيران بحزب الله اللبناني والحيلولة دون عزله أو محاصرته، لذلك وصفت إيران أحداث حلب الأخيرة بـ"فتح الفتوح".
بالعودة إلى تاريخ المنطقة، نجد أن محور الموصل-حلب، حظي بأهمية إستراتيجية قصوى، خلال مرحلة الحروب الصليبية، فقد حاصر الصليبيون حلب خلال فترة حكم الخليفة العباسي المستنصر، وبعد اتفاق بينه وبين الحاكم السلجوقي آنذاك السلطان محمد السلجوقي، تَحقَّق رفع الحصار عن هذه المدينة المنكوبة، بدعم كبير جاء من مدينة الموصل. 
فقد تقدمت قوات القائد شرف الدين مودود بن التونتكين، وانتصر المسلمون على الصليبيين في معركة "الصنبرة"، وكان حاكم دمشق حينها (عام 1113م) ظاهر الدين طغتكين، وقد استقبل الأخير مودود بكثير من الحفاوة والترحيب، ولكن الغيرة والشكوك من هذا الفارس والبطل القادم سيطرت عليه، فلما غادر مودود قصر حاكم دمشق لأداء صلاة الجمعة، غدر به أحد عناصر الفرقة الباطنية الشيعية (الحشاشين)، إذ طعنه بخنجر مسموم ففارق مودود الحياة على الفور. كذلك شهدت المرحلة سلسلة من الاغتيالات التي نظّمها الحشاشون ضدّ الرموز السُّنِّية، لذلك كانت تلك المرحلة من أخطر المراحل على العالم الإسلامي، وكانت الدسائس الداخلية توازي الخطر الصليبي، لأن المسلمين يوجهون صدورهم ناحية الصليبيين، والباطنيين يغدرون بهم من وراء ظهورهم.
وبعد هذه المرحلة الحرجة، ينهض المسلمون ويخرج بطل جديد اسمه عماد الدين زنكي، ليحقق إنجازات تاريخية ضد الغزاة الصليبيين، بعد أن أصبح حاكما للموصل بأمر من الخليفة العباسي المسترشد بالله. 
حينها، رأى زنكي ضرورة بناء محور الموصل-حلب، لأنه رأى أن الربط الجيو-سياسي بين هاتين المدينتين يقود في نهاية المطاف إلى الإمساك ببوابة أساسية باتجاه الداخل لمنطقة الشام، وفي الوقت ذاته بوابة عبور نحو بلاد الرافدين، وقد نجح في السيطرة على حلب عام 1128، أي بعد عام من تَقلُّده ولاية الموصل. 
والمهم هنا، أن الصليبيين كانوا يعتمدون على إستراتيجية تفتيت الكيانات والتعامل مع كل منطقة بمفردها، لذلك بنوا بعض العلاقات مع حكام بعض المدن لإبعادهم عن عمقهم الإسلامي.
وإذا ما نظرنا إلى واقع المنطقة ذاتها اليوم، وجدنا أن حاكم دمشق الحالي بشار الأسد متآمر مع الروس والإيرانيين ضد شعبه وعمقه العربي، وأن الميليشيات الشيعية، سواء الحشد الشعبي في الموصل أو بقية الميليشيات والمرتزقة التي صدّرتها إيران إلى حلب وبقية المدن السورية، تنفّذ الاغتيالات على الهُويّة وتعمل وفق ولاءات عابرة للحدود. 
الأمر ذاته ينطبق بشكل أو بآخر على "داعش" وأشباهه في تعاملهم مع الثوار السوريين، فبينما يوجّه هؤلاء الثوار صدورهم إلى قوات بشار وأعوانه من إيران وروسيا، يطعن "داعش" الثوار في ظهورهم، رافعا شعار العداء للآخرين كذبا وزورا.
من هنا، يحتاج محور الموصل-حلب إلى إعادة بناء جادة من خلال دعم الثوار المعتدلين في سورية، وتطهير الموصل من الميليشيات الطائفية الحاقدة المؤتمرة بأمر الإيراني قاسم سليماني، وقطع الطريق على إيران، وإفشال مشروعها القومي والطائفي تجاه المنطقة العربية والإسلامية، ثم محاصرة ذراعها في الضاحية الجنوبية.
وإذا كان السلاجقة الأتراك لعبوا دورا بارزا في هزيمة الأعداء إبان حقبة الحروب الصليبية، فإن تركيا يمكنها في الوقت الراهن التعاون مع القوى العربية لإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة، لما تتمتع به من موقع جغرافي وحدود مشتركة مع كل من العراق وسورية. 
هذا الأمر يحتاج إلى تنسيق كبير بين القوى السُّنّية، والتعالي على الانتصار للأيديولوجيات الضيقة، والتعاطي مع التحديات برؤية إستراتيجية عميقة، فالإرهاب والطائفية والمشروعات السياسية المدفوعة بدوافع طائفية حاقدة، تشكّل خطرا على أمن واستقرار المنطقة بأسرها، خاصة أنها تعتمد في أعمالها على الميليشيات والمرتزقة، وتتجنب المواجهة المباشرة.