وليد شقير

هل هي مصادفة تاريخية أن يتزامن صعود الحديث عن استثمار الثروة الغازية والنفطية في لبنان مع حقبة أفول أو تراجعٍ في دور الصحافة في البلد الذي تميز بإعلامه منذ بداية القرن الماضي، أم أن في الأمر مفارقة لا بد من التوقف عندها على رغم الظروف الموضوعية التي تتحكم بكل من القطاعين المهمّين لبلد يعاني من أزمة اقتصادية وديون طائلة هي وليدة التأزم السياسي قبل أي عامل آخر؟.

إذا كان من الطبيعي أن يستعجل العديد من القوى السياسية والمسؤولين البت بالمراسيم التي تمهد لإطلاق الاستثمار اللبناني في ثروة مكتشفة في باطن البحر والأرض، من أجل اللحاق بركب الدول التي تشترك مع لبنان في حيازة هذه الثروة، لأنها تعين البلد على مواجهة تعثره الاقتصادي، فإن الأكثر إلحاحاً هو أن يشترك الإعلام اللبناني في ذلك النقاش الوطني الواسع حول السبل الفضلى للاستثمار في هذه الثروة لمصلحة الأجيال المقبلة.

استعجال إصدار نظم وقوانين ومراسيم كالمرسومين اللذين أقرهما أول اجتماع عمل للحكومة اللبنانية الجديدة بعد أن تأخر ذلك نتيجة الخلافات، بذريعة حاجة لبنان إلى اللحاق بالركب كي يتمكن من الإفادة من ثروته الدفينة، يجب ألا يلغي الحاجة إلى شفافية عالية تسمح للرأي العام بأن يكون رقيباً على العملية الاستثمارية الكبرى التي يقبل عليها البلد.

وعلى رغم أن الإعلام اللبناني عموماً وقع في سقطات كبرى في السنوات الماضية وواجه ظروفاً قاسية بفعل الشح الإعلاني وتصاعد المنافسة مع الإعلام الجديد الإلكتروني، فإن مؤسساته تبقى المنبر الذي يحتضن ذلك النقاش الوطني من كل الاتجاهات.

وعلى رغم سقوط بعض هذا الإعلام في الاصطفاف السياسي والطائفي العميق الذي طبع المشهد السياسي المعقد محلياً وإقليمياً في العقد الأخير، فإنه يبقى أحد المنابر التي يمكن الركون إليها لتحفيز الرقابة الشعبية والسياسية في شأن مصيري مثل الشأن النفطي.

وسقوط بعض الإعلام في مجالات عدة، لا يبرر إسقاط دوره في ضمان الشفافية وإطلاق النقاش الوطني حول إدارة هذا القطاع، ولا يسوغ التبرم من أن بعض الانتقادات التي ظهرت في بعض وسائل الإعلام غير صحيحة، في وقت يفترض اعتبار الجدل وسيلة للوصول إلى ما هو صحيح. فكيف يكتشف الرأي العام الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إذا كان بعض المراسيم خضع للحجر والسرية قبل عرضه على الحكومة لإقرارها، كأن في الأمر تهريبة؟

تترافق الحاجة إلى الجدل الواسع حول الثروة البترولية اللبنانية مع أزمة في الإعلام اللبناني غير مسبوقة، تصعّب هذا الجدل. والأمر لا يقتصر على توقف جريدة مهمة مثل «السفير» عن الصدور، نتيجة قلة الموارد، بل يتعداه إلى قصور وسائل إعلام أخرى عن إنتاج موادها بالجودة التي اعتادها القارئ اللبناني تاريخياً، نتيجة اضطرارها إلى تقليص استثمارها في الجهاز البشري والمهني. وفي هذه الحال يخشى من أن تتراجع قدرتها على تحمل كلفة الاستقصاء والبحث والنشر، وبالتالي الإحاطة بوقائع ما يجري على مستوى قطاع النفط. وقد ينسحب هذا القصور على قدرتها على تحمل الكلفة السياسية أيضاً، في وقت هي مهيضة الجناح.

ولّد تعطيل المؤسسات في لبنان بفعل التأزم السياسي، إضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتقلص موارد الدولة، استشراء للفساد الذي خصصت الحكومة الجديدة لمكافحته أحد وزراء الدولة فيها، فيما الأروقة والصالونات السياسية تلغط بأخبار تهافت جزء من الطبقة السياسية على قطاع النفط، ولا يخفي بعض القادة في تصريحات علنية هواجسهم من اقتحام تلك الآفة القطاع الجديد الذي يعول عليه للنهوض بلبنان من كبوته الاقتصادية، إلى درجة دفعت بكثر منهم إلى تفضيل بقاء الثروة المكتشفة دفينة البحر والأرض مخافة خضوعها للنهب والتقاسم. وما برر هذه المخاوف هو أن الخلاف على تقطيع البلوكات النفطية التي ستخضع لتلزيم الاستكشاف والتنقيب والاستخراج، ومن أين تكون البداية، أخذ طابعاً طائفياً يخفي مصالح نفعية. 

وما عزز تلك الهواجس أيضاً أن شركات كثيرة فرّخت مثل الفطر لتأهيلها في عملية التلزيم، لم يسمع بها في ميدان استخراج الذهب الأسود، إضافة إلى بدء بعض القوى السياسية تهيئة بنى تحتية لشركات تعنى باستقبال الشركات التي سيقع عليها التلزيم، للإفادة من حصة بالشراكة معها.

قد لا يكون معيباً أن يتحضر مستثمرون لبنانيون لصعود هذا القطاع. لكن معرفة هوية السياسيين الذين يستفيدون من العملية في صرف للنفوذ هي مهمة الإعلام اللبناني المأزوم.