محمد برهومة

يدخل الأردن العام الجديد 2017 بمقاربة جديدة للأوضاع في المنطقة على وقْعِ التحولات التي يشهدها المشهد الاستراتيجي في كل من سورية والعراق خصوصاً، ما قد يفرض على صنّاع القرار في الأردن استدارات أوضح حيال الجارين الشرقي والشمالي. وهو ما باتت المملكة على استعداد للإقدام عليه استناداً إلى جملة معطيات وحقائق تؤشر إلى بعض مضامين تقدير الموقف لدى الأردن، ويأتي في مقدمها أمران:

أولاً، تحضّر الحكومة الأردنية لزيارة قريبة لرئيسها هاني الملقي إلى بغداد للقاء المسؤولين العراقيين من أجل التفاهم والتنسيق على ملفات التعاون الاقتصادي ومحاربة «داعش» والتحضير لمرحلة ما بعد «داعش» من خلال مشروع «التسوية التاريخية» بين الأطراف العراقية، بخاصة أن زيارة السيد عمار الحكيم رئيس «التحالف الوطني» قبل أسابيع، الأردن حملت رغبة في قبول الأردن كـ «وسيط متوازن» بين الأطراف العراقية لتقريب وجهات نظرها في شأن «التسوية». 

وبالفعل بحث قادة «اتحاد القوى الوطنية»، أسامة النجيفي وسليم الجبوري وصالح المطلك، خلال اجتماع خاص في الأردن مع الملك عبدالله الثاني، مبادرة التسوية السياسية التي قدمها «التحالف الوطني»، حيث يقوم الملك عبدالله الثاني بدور الوسيط والداعم لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الشيعية والسُنية في شأن إنجاح مشروع المصالحة التاريخية. وليس معروفاً ما إذا كانت الزيارة المرتقبة للملقي إلى العراق ستبحث الهواجس التي عبّر عنها قبل أيام رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية محمود فريحات بخصوص تقدّم فصائل «الحشد الشعبي» في اتجاه مدينة تلعفر في العراق، محذراً من إمكان إقامة حزام بري يصل إيران بلبنان إن استمر تقدمها في اتجاه الحدود السورية.

ثانياً، إن وجود ضباط أردنيين في غرف العمليات بالعراق (الموصل) وسورية بالتوازي مع تدريب الأردن، في رعاية غربية، لعناصر جيش العشائر في سورية بهدف قتال «داعش» (وليس النظام السوري) وإبعاد التنظيم عن الحدود الأردنية يأتي ضمن مقاربة أردنية تلحظ التحولات على المحور الروسي - التركي - الإيراني وتحسّن فرص النظام السوري. 

والتقدير العسكري الأردني أن معركة بردى والغوطة الشرقية للعاصمة دمشق إن استمرت وبقيت فرصُ انطلاق معركة إدلب أقل في المدى المنظور، فإن هذا سيعني أن معركة بردى والغوطة ستقود إلى فتح جبهة درعا. والأردن، الذي يتحمّل جيشه عبء حماية الحدود مع جارته الشمالية على الجانبين، سيفضّل التعاطي مع قوات نظامية في الجبهة الجنوبية، ما يقتضي ربما الانتقال من حالة الجمود في هذه الجبهة إلى مرحلة الحسم الذي سيقود إلى فتح الطريق الدولي بين دمشق وعمّان وإعادة فتح المعابر في شكل رسمي، في حال تم التنسيق بنجاح بين عمّان ودمشق للتخلص من خطر «داعش» و «النصرة»، والقضاء على جيش خالد بن الوليد المبايع لـ «داعش» والراقد على بعد نحو كيلومتر واحد من الحدود الأردنية - السورية.

ولا شك في أن التفضيل الأردني التنسيق مع القوات النظامية مهم، في أحد جوانبه، في إدارة ملف اللاجئين، وستكون الخيارات الأردنية في شأن المستقبل السوري خاضعة لشروط «جيوبولتيك الجوار» ومحدداته التي فرضت الخروج من دائرة التحفظ عن الإعلان عن الخيارات والانحيازات بوضوح، وهي اليوم في سياق إعادة التموضع الاستراتيجي. ويحفز على ذلك أن مقولة «واحة الاستقرار في ظل جوار إقليمي مضطرب» أصابها بعض الاهتزاز على وقْعِ التفجيرات الإرهابية التي شهدها الأردن في 2016.


* كاتب أردني