محمد الصياد

أظهرت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الروسية التي جرت الأحد 18 سبتمبر/أيلول 2016، التي أعلنتها اللجنة المركزية للانتخابات، وشارك فيها نحو 53 مليون ناخب، بنسبة مشاركة بلغت 47.88%، تصدر حزب «روسيا الموحدة» الحاكم الذي حصد 343 مقعداً، تلاه الحزب الشيوعي ب 42 مقعداً، والحزب الليبرالي الديمقراطي 39 مقعداً، وحزب «روسيا العادلة» 23 مقعداً، وحزب «رودينا» (الوطن) بمقعد واحد، وحزب «غراجدانسكايا بلاتفورما» (المنبر الوطني) بمقعد واحد. ولم تتمكن الأحزاب الروسية الصغيرة من خارج البرلمان من تجاوز الحاجز الانتخابي ونسبته 5% بحسب القوائم الحزبية لدخول مجلس الدوما، وتشكيل كتل برلمانية، وكذلك حاجز ال 3% الذي يسمح لها بالحصول على تمويل من الميزانية الاتحادية. حيث حصل «شيوعيو روسيا» على 2.4%، و«يابلوكو» على 1.9%، و«المتقاعدون من أجل العدالة» على 1.7%، و«رودينا» على 1.4%، و«روست» على 1.2% في المركز التاسع. وحازت بقية الأحزاب، وعددها 5، على نسب لم تتجاوز 1%.

خاض الانتخابات 14 حزباً هي «رودينا»، و«شيوعيو روسيا»، و«المتقاعدون من أجل العدالة»، و«روسيا الموحدة»، و«الخضر»، و«المنبر المدني»، و«الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي»، و«بارناس»، و«روست»، و«القوة المدنية»، و«يابلوكو» و«الحزب الشيوعي الروسي» و«وطنيو روسيا» و«روسيا العادلة». وتنافس فيها 6510 مرشحين على شغل 450 مقعداً في «الدوما»، منها 225 مقعداً لمرشحي الأحزاب السياسية، و225 مقعداً لمرشحي الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد. وهي تعد سابع انتخابات من نوعها لمجلس الدوما الروسي منذ تنظيم أول انتخابات في روسيا في عام 1993 في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي.

بعد هذه الانتخابات أُثير جدل في موسكو بين النخب السياسية حول النظام السياسي المناسب لروسيا على المدى الطويل. وطُرحت في هذا الصدد سناريوهات عدة، من بينها نظام الحزب الواحد المعمول به في الصين، حيث يقوم الحزب الشيوعي بالدور الرئيسي القيادي، فيما لا تعدو الأحزاب الأخرى الصغيرة عن أن تكون صحن التحلية لصحن الوجبة الرئيسي. 

وتعريجاً على النظام السياسي السائد حالياً، فإن الجدل يذهب إلى أن «حزب روسيا الموحدة» الحاكم، يستطيع في ظروف المجابهة المفروضة على روسيا من قبل القوى الغربية المصرة على استمرار نزعاتها السوبر كولونيالية الكونية، أن يحقق أفضل النتائج في الأداء العام، وأن يحصد تأييداً كاسحاً من أغلبية أبناء الشعب الروسي. ولكن هذا النظام يفتقد إلى محفزات وموجبات الاستدامة البعيدة المدى، خصوصاً حين تنحسر أجواء المجابهة الروسية الغربية ويقوم بعدها المجتمع بتدوير زواياه لتصبح أنظاره موجهة ومركزة على انشغالاته وتطلعاته الداخلية، وإن روسيا سبق وأن جربته في عهدها السوفييتي، وثبت عدم فعاليته، وفقاً للمتجادلين.

الخيار الثاني المثار جدلاً هو نموذج نظام الحزبين في الولايات المتحدة. ويذهب الجدل هنا بين علماء الاجتماع الروس، إلى أن الانتخابات الأخيرة كشفت عدم وجود فروق إيديولوجية جوهرية بين ثلاثة أحزاب هي «الحزب الشيوعي لروسيا الفيدرالية»، و«الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي»، و«حزب روسيا العادلة»، حتى إن الناخبين كانوا حيارى في استخلاص الفروق بين برامج الأحزاب الثلاثة. ولذا يذهب هذا الجدل إلى توفر الأحزاب الثلاثة على إمكانية الدمج في حزب واحد، أخذاً في الاعتبار أن زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي وصل إلى السبعين من العمر، في حين أن حزبه من الأحزاب الرئيسية، وكذلك الحال بالنسبة لغينادي زوغانوف زعيم الحزب الشيوعي الأكبر سناً من جيرينوفسكي (72 سنة)، وقد حان الوقت لدمج الأحزاب الثلاثة في حزب واحد يساري معاصر. وفي الجهة المقابلة يشكل «حزب روسيا الموحدة» برئاسة دميتري ميدفيديف وزعامة فلاديمير بوتين الجناح اليميني لنظام الثنائية الحزبية محل الجدل.

إنما السؤال، إذا كان نظام الحزب الواحد مآله الفشل المحتوم، ولو طال به الزمن «بفضل» إجادة هندسة عملية السيطرة على المجتمع الذي يسوسه، حتى إن كان بحجم المجتمع الصيني، من حيث استحالة إقناع، أو بالأحرى تضليل، الناس لكل الوقت، زعماً بأن حزب السلطة الواحد يفكر بالنيابة عن جميع أفراد المجتمع، ويعمل لمصلحته بالنيابة عنه حتى وإن لم يمنحه أحد هذا التكليف المفتوح إذا كان ذلك النظام غير ملائم، بحسب الجدل الروسي النخبوي المثار- فهل نظام الحزبين أكثر حظاً منه في النجاح، وهو الذي يلاقي اليوم مأزقاً في الولايات المتحدة (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي)، وفي فرنسا التي حاول حزبا الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل الجمهورية احتكار سلطتها، وسلطانها، تيمناً بالنموذج الأمريكي، وفي بريطانيا التي يتقاسم سلطتها وسلطانها عملياً حزبا المحافظون والعمال، من دون الدخول في حيثيات علائم بداية إخفاق هذا النظام؟ فالنظام السياسي هو، في التحليل الأخير، ابن بيئته ومعطيات موازين القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية التي تنتظمه.