عبد الرحمن الراشد 

 يرى المرشد الأعلى في إيران، آية الله خامنئي، أنه لولا جنود بلاده الذين قتلوا في حرب سوريا لاضطروا لمقاتلة عملاء أميركا والصهيونية في طهران وفارس وخراسان وأصفهان. يمكن أن نعتبر ما قاله خامنئي أمام شعبه وذوي القتلى، مجرد تبرير للخسائر البشرية التي منيت بها إيران في حربها في سوريا، التي لا يوجد لبلاده حدود معها. وقد يكون لكلامه معان بعيدة وصادقة، مثل أنه توجد تهديدات في داخل إيران على النظام، وأن نقل الحرب إلى الخارج ضرورة من أجل سلامة النظام.
القيادة الإيرانية باتت تكرر الحديث والتصريحات عن مبررات حروبها الخارجية من أجل إسكات الأصوات الناقدة التي تعترض على التضحية بقوات بلادهم في حروب غير ضرورية، ترضي فقط غرور القيادات الدينية والعسكرية في طهران الطامعة في التوسع والهيمنة. إنما كلما طالت الحرب ازدادت الخسائر، فيزداد الاستنكار وتعود التساؤلات، ويفقد منطق مواجهة أميركا والصهيونية معانيه التي استهلكت لأكثر من ثلاثين عامًا، كانت شعارًا هدفه الأخير هو الاحتفاظ بالسلطة.
خلال عقود ما بعد الثورة ظلت القيادة الإيرانية تبرر دعمها للإرهاب، وتغذية العنف الإقليمي والعالمي، وتهديد جيرانها، وبناء مشروعها النووي، والاستعداد للحروب؛ مشروع الدولة الوحيد وآيديولوجيتها، كل ذلك بحجة الدفاع عن النفس وأنها مهددة بالغزو من النظام العالمي الغربي الصهيوني. وبعد أن فاوضت إيران ووقعت اتفاقها النووي، وتصالحت مع الغرب، سقطت حجج الخوف من قبل العدو، لكن إيران بدل أن تنفتح وتتحول نحو السلام زادت من مغامراتها العسكرية الخارجية.
تبنى النظام مفهوم عسكرة المجتمع منذ حرب طهران مع العراق، إبان فترة حكم صدام حسين في الثمانينات. ولم يوقف المرشد الراحل، آية الله خميني، الحرب التي دامت ثماني سنوات، إلا بعد أن مرَّ عليها نحو خمس سنوات من العناد والرفض لدعوات وقفها من قبل الوسطاء الدوليين. فقد خدمت الحرب حاجة النظام في تصفية بقايا قيادات الشاه، ولاحقًا تصفية القوى المنافسة في الداخل.
كيف يحتاج النظام اليوم إلى المزيد من الحروب لتثبيت أركانه في الداخل، وهو قد قضى على معظم خصومه؟ إيران دولة كبيرة، في داخلها قوى متعددة ليست بالضرورة معادية، لكنها مناوئة للنظام فكريًا واجتماعيًا، وفي دائرة الحكم الدينية والأمنية نفسها قوى منافسة، تتم محاصرتها وأحيانًا تصفيتها. والحروب الخارجية وسيلة قديمة، قدم التاريخ، لفرض السيطرة الداخلية، تقوم بها الأنظمة التي لا تتمتع بما يؤمّن أوضاعها الداخلية. ومع أن إيران بلد فقير داخليًا، فإن أكثر مؤسساته العسكرية والأمنية، مثل الحرس الثوري والباسيج والمخابرات والجيش، غنية وضخمة. وهي تتميز بالصناعات المتقدمة، وتملك شركات عملاقة خاصة بها، بما فيها بترولية ومصافٍ وشركات استيراد وتصدير وفنادق وغيرها.
مشكلة إيران، وقادتها يدركون المشكلة الآن، أن الحروب الخارجية التي تخوضها بلا انتصارات محسومة؛ ففي العراق كلما تم إطفاء حريق نشب حريق آخر. وفي سوريا، وإن نجحت إيران في تحقيق الانتصارات المتتالية لنظام الأسد، أن النظام ليس قويًا، فالنظام سيسقط لو سحب الإيرانيون من هناك قواتهم وميليشياتهم. ونتيجة لهذا التوسع في الحروب، لإيران حضور عسكري في اليمن وأفغانستان ولبنان أيضًا، فإن قيادة طهران أمام معضلة لأنها ترفض القبول بحلول سياسية وسطى للأزمات في مناطق النزاع، مما يجعلها معلقة هناك، وستستمر تقاتل إلى سنوات. السؤال: إلى متى يصبر الإيرانيون على خسائرهم وعلى مغامرات نظامهم؟ الأمر منوط بمدى فعالية الأجهزة الأمنية وقدرتها على إحكام السيطرة على الوضع في الشارع، أما الخطب الرسمية والدعاية الإعلامية فلن تدوم. دعائيًا، إيران استخدمت في البداية مبررات دينية طائفية، إنها تدافع عن المراقد لكن معظم القتال ليس في محيطه مقدسات. والآن، صار الحديث عن أن القتال في حلب البعيدة جدا هو دفاع عن أمن إيران الداخلي.