علي الرباعي

لن ينسى القارئ السعودي والعربي الدور التنويري للمثقف العضوي صالح محمد جمال الذي انطلق من مكتبة الثقافة المجاورة للحرم المكي وتحديداً باب السلام. أسسها عام 1364هـ مع كل من عبدالرزاق بليلة، أحمد ملائكة، محمد حسين أصفهاني وعبد الحليم الصحاف. بدأت علاقة جمال بالثقافة والأدب انطلاقاً من أسرته ثم من خلال الندوات التي بدأت تأخذ مكانها كرافد من روافد الوعي في المجتمع المكي، ومنها ندوات جمعية الإسعاف الخيري، وندوات كامل كردي في منى طيلة أيام موسم الحج، والتي يستقبل فيها كبار الحجاج من الأدباء والعلماء من أنحاء العالم الإسلامي. وتحول ولعه بالثقافة من القراءة إلى عمله موزعا للكتب والمجلات، ثم ناشراً ثم مؤلفاً وناقداً خصوصاً أنه اجتمع إبان رحلته الأولى إلى مصر 1366هـ، بعمالقة الأدب في ذلك العهد ومنهم علي أحمد باكثير، وعبدالحميد جودة السحار، ونجيب محفوظ، ما زاد في مداركه ووعيه الثقافي. انطلق مشروعه في توزيع الكتب والمجلات بالتعاون مع مطبوعات دار أخبار اليوم، وروز اليوسف، والرسالة والثقافة وغيرها من المطبوعات المصرية، وكان يقصد المكتبة أعلام الفكر والأدب في مكة المكرمة. ويؤكد الدكتور عبدالله مناع أن مكتبة الثقافة في مكة أسهمت بدور تنويري كبير للمجتمع المكي بحكم قناعة صالح جمال وأخيه أحمد بأهمية الكتاب وبلاغة رسالته في نشر الثقافة والوعي.

وعدّ مكتبة الثقافة مؤسس أدبي وفكري لشريحة عريضة من المثقفين والكتاب والأدباء كونها معنية بكتب الأدب التي كانت ترد من لبنان ومصر والعراق وسورية. وعزا نجاح المكتبات في ذلك العصر إلى كون الكتاب أداة الترفيه الوحيدة، إضافة إلى تسامح الرقيب أو زيادة وعيه، أو انعدامه، إذ لم تحتفظ ذاكرة مناع بأي حادثة منع أو سحب كتاب في تلك الحقبة، مشيراً إلى أن الحساسيات من الثقافة والمثقفين والمكتوب بدأت في السبعينات. وثمن للأخوين جمال تلك الرؤية التنويرية الحضارية في زمن كان المجتمع بحاجة ماسة للكتاب والتواصل مع محيطه الأدبي العربي.